الثقافي

خوسيه باتشيكو: الماضي المكسيكي الذي لم يكن

على الرفّ

 

تبدأ رواية "معارك الصحراء" للشاعر المكسيكي خوسيه إيمليو باتشيكو (ترجمة شادي روحانا، منشورات قديتا) بما يشبه المفاجأة؛ "..أتذكر، لا أتذكر: أي عام كان ذلك"؟ ولن نعرف إلا مع وصولنا إلى آخر سطر أن موضوعة الرواية الرئيسية، كما في كل كتابات باتشيكو (1939-2014)، هي عالم الأطفال الخاص بهم والذي يقيمونه من قراءة مجلات الحكايات المصورة، ومشاهدة العروض المسرحية، ووجوه الأصدقاء والأوهام الغرامية، كما تقول إيديث نتشرين من الجامعة الوطنية المكسيكية، "عالمٌ هشٌّ سرعان ما يتهشم مع أول اصطدام لهم بحقيقة النمو المؤلمة".

ولكن هذا العالم الهشّ، والذي سيتلاشى إلى درجة الشك في حقيقة وجوده، بأناسهِ وأحيائهِ وطرقاته، قبل أن يتلاشى، أي وهو في حالةِ صورٍ تتوالى، يبدو أعمق بكثير من أوهام طفل، أو رسوم على صفحات مجلات أطفال؛ هو عالم يشغله الكبارُ من وجهة نظر براءة طفل.

رئيسُ دولة يعصف به الشاعرُ سخرية فيسميه "جرو الثورة المكسيكية"، ويعصف ببطانته فيطلق عليه وعليها تسمية "علي بابا والأربعون حرامي"، ويلخّص بسطور قليلة وبسيطة ومن دون خطاب أيديولوجي، كارثة استيلاء المستعمرين الشماليين على اللسان والاقتصاد والنساء والدولة، وتبعات ذلك سواء بتعميق الهوّة بين الطبقات، أو بنهب الثروات وزيادة البؤس والحرمان.

يتمرّد الاثنان على عالم الكبار، الأول خرج من تجربة الحرب العالمية الثانية التي خاض غمارها جندياً مشمئزاً من قيم مجتمعه وزيفه، والثاني مرّت أخبار الحروب؛ الحرب الأميركية/اليابانية، وحرب حزيران العربية/الصهيونية، في مخيلته، وتذكر انعكاساتها في الحيّ الذي يقطنه والمدرسة التي يذهب إليها، كما لو أنها انعكاسات الأشياء على صفحة الماء.

ولكل واحد منهما موضوع حب يعذِّبه، الأول براءة أخته الصغيرة التي يحبها ويحاول حماية براءتها، والثاني حبّه للشابة ماريانا أم صديقه "جيم"، عشيقة "الرجل الكبير" الشمالي المرافق للرئيس/الجرو.

المدهش في هذه الرواية، ليس كشفها عن عالم المكسيك المتهرئ سياسياً وأخلاقياً خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها فقط، بل فنية القص الآخذ بأطراف عالم يضمحل، أو اضمحل، بلغة بسيطة، وصور تبدو أكثر بساطة بينما هي أشبه بعدسة تصوير تغوص عميقاً في حياة طبقات الشعب المكسيكي. عدسة تصوير في غاية البراءة، ومن هنا عمق تأثيرها العاطفي.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي