الثقافي

سارة نوفيتش: شرفة لم تعد تطل على زغرب

على الرفّ

 

لم يصل إلى المكتبة العربية الكثير من الأعمال الروائية البلقانية، لا سيما تلك التي تتطرق للحرب اليوغسلافية وجيل ما بعد التروما التي تعرضت لها المنطقة في التسعينيات. رواية الكاتبة الكرواتية الأميركية سارة نوفيتش "فتاة في حالة حرب"-التي صدرت حديثاً عن سلسلة "إبداعات عالمية" الكويتية بترجمة مالك أحمد عسّاف-تتناول هذه الفترة المظلمة على لسان آنا بوريتش، بطلة الرواية الطفلة ذات العشرة أعوام.

"الحرب في زغرب بدأت على علبة سجائر" تقول آنا في بداية الحكاية، بينما هي تسرد التفاصيل العادية التي كانت تقوم عليها سعادتها الصغيرة؛ أبواها وأختها المريضة ومربيتها وصديقتها لوقا، هذا هو عالم آنا الذي يبدأ في الاختفاء وتتم إبادته في بضعة أشهر. وبدلاً من شعورها بالراحة في بداية الحرب، إذ تغلق الطرق ويصبح التحرر من عبء المدرسة ممكناً، تجنّد الحرب آنا، ثم تبدأ التفاصيل الكابوسية بالظهور واحدة تلو الأخرى، أطفال مفقودون، لاجئون من بلدة أخرى، عقد مصنوع من آذان بشرية.

تتيح نوفيتش لنفسها استكشاف الكيفية التي يفهم الطفل بها العرق، وكيف يصبح كل تفصيل مؤشراً على شيء، حتى السيجارة تفضح انتماء من يدخنها، هل هي سجائر صربية أم كرواتية. وبعيني آنا بوريتش نرى زاغرب المدينة وهي تعرف لأول مرة الحدود الإثنية التي قطعت العلاقة بين العائلات والأصدقاء وحواجز الهوية القاتلة.

آنا الطفلة متعلّقة جداً بزغرب، وكانت وسيلتها الوحيدة للهروب من ضغوطات أجواء الحرب أن تقف على الشرفة وتنظر إلى مدينتها. تستعيد نوفيتش صورة زغرب بعد أن زارتها لتبني صورة حقيقية، عن ذلك تقول "أردت أن أكتب عن شرفة أوكرانية أصيلة، وحين زرت زاغرب رسمت بانوراما دقيقة للمدينة".

في أحد المشاهد الأساسية، يخرج والدا آنا بهدف تهريب شقيقتها الصغيرة والمريضة إلى أميركا على متن طائرة إنقاذ، لكن وفي طريق العودة يمسك الجنود بهم ويقتادونهم إلى الغابة حيث يقتلون أبويها أمامها ويبقون عليها، ومنذ تلك الواقعة تتحوّل آنا إلى طفلة مجندة.

تتحرك الروائية بشكل لا خطي، بين عامي 1991 و2001، حيث تنتقل آنا إلى أميركا لتعيش مع شقيقتها الناجية والمحظوظة التي غادرت ولا تذكر من زغرب ولا طفولتها الكثير، بينما فصول الرواية المكونة من ذاكرة آنا تتأرجح بين كرواتيا/الماضي والحرب وبنسلفانيا/ الحاضر وذاكرة الحرب.

ق. ث

 

 

 

من نفس القسم الثقافي