الثقافي
أمينة شيخ في "وأشياء أخرى ممّلة"مساءلة عميقة لقضايا المرأة والكتابة
صدرت عن منشورات حبر
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 11 نوفمبر 2016
بشعرية عالية تقتنص الكاتبة أمينة الشيخ فضولَ القاريء - في مجموعتها القصصية "... وأشياء مملة أخرى "- إلى التواطؤ معها على الضجر بالكتابة وهي توهمه -بنقاط الحذف التي تسبق "الأشياء المملة"- أنه مثلها تماما يعرف مواطن هذه الأشياء، لكنها تراوغه بإحاطتها بما لم يحط به من أشياء أخرى أيضا تستطيع صناعة الملل ببراعة مذهلة كالجنائز والأعراس والقيم المهترئة التي تنخرنا جميعا، وتسيج عالمنا المأزوم في إنسانيته.
سؤال ممض يخرج كتنهيدة حارقة يواجه الإنسانَ الضَّجِرَ، بحقيقته الفادحة لتحضر تيمة الملل في مجموعة أمينة الشيخ -الصادرة عن منشورات حبر(2016)- بشكل جلي وواضح تارة في شكل تذمر من الملل والضجر، الذي يدفع إليه انسداد الأفق في المنظومة الثقافية والاجتماعية، وتارة أخرى بشكل عميق في هيأة سؤال وجودي حارق، ينبثق من ذلك الشعور الفادح بالفراغ نتيجة اللاجدوى، وعبث الحياة في عالمنا الرازح تحت قيمٍ رجعية، لا تحترم الإنسان وتهينه في أعمق أشيائه الحميمة، وهو ما يتضاعف بشكل أكثر فداحة حين يتعلق الأمر بالمرأة المبدعة الكائن الهش المقهور في عالم ذكوري متسلط.
في أول نص من نصوص هذه المجموعة يطالعنا نص بعنوان " شجرة شمع" يقدم مشهدا "لامرأة بلا عمر" تلوك الملل والغياب و" تتطلع إلى الفراغ، فيرتد من العدم تحدق بعينين كسيرتين"بعد أن هجرها حبيبها، حبيب غامض لا يتقدم إلا بشكل هلامي لا اسم له، هل تراه الإلهام والكتابة الأدبية بعد غرقها في ترجمة أشياء لا تعني لها الكثير على حساب موهبة مبدعة "أسفل الحب"؟.
شجرة شمع: يحضر الملل في امرأة بلا ملامح على لسان راو عليم امرأة تقلب رواية مملة يفاجئها حبيبها بالرحيل تبقى ساكنة باهتة لا تحاول حتى استبقاءه امرأة محشوة بالملل واللامبالاة والسكون الذي لم يتحمله فغادر ولكنها في الاخير تنتهي بعد ان « تترقب وتنتظر فجأة تكتشف أنها تعيد المشهد الممل نفسه في الزاوية نفسها والمكان نفسه » « فجأة تقفز من الاريكة وتقطع الجذور التي تشدها اليها» بثورة عارمة بفتح النوافذ والتعري والرقص عارية من ملابسها حتى تسقط في الحال الصوفي وتنفض عنها عالم السكون المضجر، وتستعيد هنا القاصة شجرة الشمع وهي شجرة استوائية يعرف عنها تحمل بروده تحت الصفر أنها تزرع لأغراض الزينة لثمارها الغريبة الشكل التي تشبه الشموع، إنها شجرة تشبه هذه المرأة الصبورة التي تتحمل جفاء العالم وبرودته الضاجة الا ان زهورها تنمو مباشرة على الجذوع والأغصان، ثم تتبعها الثمار الشمعية الشكل التي يصل طولها أحياناً إلى المتر، وتكون متدلية من أغصان طويلة تماماً مثل الشموع المعلقة، ويكون عددها بالمئات وحتى الآلاف أحياناً.
يضم النص ثلاثة مشاهد تتشاطر ثنائية الحركة والسكون: المشهد الأول امرأة ضجرة ساكنة
المشهد الثاني: مشاحنة من طرف واحد ثورة وحركية يمثلها الحبيب الغاضب من سكون هذه المرأة الغامضة التي لا ملامح ولا عمر لها، انها صورة للمرأة المقهورة في العالم العربي.
المشهد الثالثّ: مشهد المرأة الثائرة التي تتخلص من سلبيتها ومواتها وتتخلص من اغلال الظلم وتتعرى من التقاليد البالية وتنتمي إلى الحياة رقصا وتعريا.
لكأن ضجر هذه المرأة من تلك الاغلال ومللها، جراء مكوثها بلا أحلام بعد سقوط طموحاتها، وركونها الى حياة الرتابة هو ما حرك روح الكتابة، الم يقل الشاعر خالد بن صالح في خطأه الشائع بأنه "يكتب بدافع الضجر" الضجر الذي يطغى منذ العتبة الاولى حتى آخر نفس في هذه المجموعة القصصية ذات النفس الروائي «كنت وحيدا في غرفتك التي تشكل بيتك ومأواك كما اعتدت، تبحث عن الرحم الولود التي تمنحك قبيلة السأم تلك، ذلك السؤال الذي صار محور حياتك الفارغة من أين يأتي كل هذا السأم؟»ص 109 « وبعد أن دخلت إلى الفايسبوك لتجد أن لا أحد علق على آخر ملل دونته»(ص11)
يقول هنري ميللر«بالنسبة إلي الحقيقة الرئيسة بشأن الكاتب هي مقدرته على استغلال الصمت الهائل الذي يغلفنا جميعاأن» بامكاننا ان نحور مقوله ميللر تحويرا طفيفا ونضع الملل بدل الصمت، اليس الملل نتيجة للفراغ ..للصمت ؟ إن ما موهبة أمينة الشيخ تنتصر في ذلك الاستغلال المدهش للصمت، ومزجه بشكل مدهش في شكل قصص تتقاطع في عوالم شائكة، بشخصيات أشبه ما تكون بنا، تصارحنا بلغة سلسة بأعمق ما فينا من خراب ودمار، دون أن نشعر أنها تناضل .
للإشارة فإن أمينة الشيخ كاتبة صحفية من الجزائر، صدرت لها رواية" اسفل الحب" عن منشورات أبيك(جائزة علي معاشي2008) وترجمت عددا من الكتب من بينها " الأمير عبدالقادر وغير المسلمين" و" تلمسان المدينة والمحاب".
مريم. ع/ الوكالات