الثقافي

عملية نوعية لإعادة الاعتبار للؤلؤة المنشآت الثقافية بالبليدة مسرح "محمد التوري"

تهدف إلى استرجاع المجد العتيق والصورة اللائقة لهذا الصرح الثقافي الهام

 

حظيت لؤلؤة المنشآت الثقافية بمدينة البليدة مسرح "محمد التوري" بعملية نوعية هي الأولى من نوعها منذ انجاز هذا المعلم تخص تهيئته و إعادة الاعتبار له في خطوة تهدف إلى إرجاع المكانة التي كان يحظى به هذا الأخير سنوات الثلاثينات من القرن الماضي، و في هذا السياق فقد خصصت السلطات المحلية للولاية غلافا ماليا بقيمة 87 مليون دج لإعادة ترميم و تهيئة هذه القاعة العتيقة انطلقت أشغالها مؤخرا حسبما ذكره رئيس بلدية البليدة سيد علي بن شرشالي. 

و سيتم بمقتضى هذه العملية التي انطلقت منذ أكثر من شهرين -يضيف المتحدث- ترميم و إعادة تهيئة مختلف أركان المتحف من قاعة العرض و مدرجات المسرح و أسقف المبنى الذي يعرف حالة متقدمة من التدهور و الاهتراء، و ترمي هذه الخطوة التي بادرت بها السلطات المحلية استنادا للمصدر إلى استرجاع لهذا المعلم الأثري مجده العتيق و الصورة اللائقة التي تليق به خاصة عند 

العلم أنه يحمل اسم أحد أعمدة المسرح الوطني المرحوم "محمد التوري" ابن مدينة الورود. و كانت هذه المنشأة في السنوات الأخيرة ونظرا لغياب قاعات المحاضرات و الاجتماعات بالمدينة قد حولت عن مهامها الأصلي فأضحت مكانا لاحتضان مختلف النشاطات السياسية على غرار تجمعات الأحزاب السياسية و مختلف النشاطات الأخرى الأمر الذي زاد من تدهور حالتها. 

 ويعود تاريخ انجاز هذا المعلم الأثري استنادا لما ذكره محمد أوراغي أحد المهتمين بتاريخ الولاية (الذاكرة الحية لها) إلى الحقبة الاستعمارية و بالضبط في سنوات العشرينات من القرن الماضي حيث أرادت السلطات الاستعمارية من خلال انجازها لهذه المنشأة الثقافية أن تكون مكتبة تابعة للبلدية باعتبار أن هذه الأخيرة كانت تفتقد لمثل هذه الهياكل. 

و بعد تنصيب المدير الجديد لها سنة 1926 الذي تم استقدامه من أوبرا مدينة تولوز الفرنسية أصبحت هذه المنشأة عبارة عن قاعة للعرض و السنما أين احتضنت العديد من الأعمال الفنية و الثقافية، و بعد الاستقلال و تكريما للأعمال الخالدة التي تركها الراحل الكوميدي محمد التوري أرادت السلطات الولائية أن تطلق على هذه المنشأة الثقافية اسمه و كان ذلك بعد وفاة هذا الفنان سنة 1959. 

   

شخصيات و وجوه فنية عملاقة مرت على ركح المسرح 

 

 و يقول أوراغي أن العديد من الشخصيات و الوجوه الفنية العالمية و البارزة مرت على خشبة مسرح التوري و تركت بصمتها به عبر العديد من السهرات الفنية و المسرحية و الموسيقية و كذا البالي التي احتضنتها، من بين هؤلاء يذكر كل من المطرب اللبناني مارسال خليفة و الأديب السوري جدو حقي و عازف البيانو العالمي مارسال سامسو و بلاوي الهواري و أحمد وهبي و دحمان بن عاشور و حاج محفوظ محي الدين و بن قرقورة و محمد البصري و الحاج العنقة و فضيلة الدزيرية ومحمد طوبال و عبد القادر قسوم و الهاشمي قروابي و دحمان الحراشي و عبد الرحمن عزيز و غيرهم و ذلك ضمن سهرات فنية صنعت الحدث بمدينة الورود وسطع نجمها بلياليها لدرجة أنه لا يزال جيل الاستقلال يرويها إلى غاية اليوم للجيل الجديد. 

ولد محمد التوري بالبليدة في9 نوفمبر 1914 وسط عائلة متواضعة حفظ القرآن و تعلم اللغة العربية بمسقط رأسه تم التحق بالمدرسة الحرة التابعة لجمعية العلماء المسلمين بقسنطينة حيث تلقى و تشبع بمبادئ المواطنة الجزائرية التي طبعت مشواره الفني، و في سنة 1928 عاد محمد التوري إلى البليدة و أسس فرقة مسرحية بالفرقة الكشفية "أمل" للبليدة لينشئ بعدها سنة 1936 فرقة أخرى رفقة رفقاء دربه كل من حمودي المعروف بن شوبان و فضيل عبد الرحمن و زروق سيدي موسى و غيرهم ومنها بدأ مشواره حيث بدأ التمثيل بأدوار ثانوية قصيرة و عمره لم يتجاوز الرابعة عشر. 

وبالرغم من أنه لم يعمر طويلا و خطفه الموت في سن العطاء إلا أنه قدم للفن الهزلي و الفكاهة الاجتماعية ما لم يقدمه غيره في سنين طويلة حيث كانت جميع أعماله عبارة عن رسالات تقدم في قالب فكاهي لرسم البسمة على وجوه الجزائريين الذين كانوا يئنون تحت وطأة الاستعمار تنتهي في كثير من الأحيان بخلاصة تدعو إلى الخير و الضائل و الأخلاق. 

كتب التوري مسرحياته بلغة عامية راقية و بسيطة نذكر منها "زعيط معيط نقاز الحيط " و "دبكة وبك" و "بوحدبة". كما قام بالعديد من الأدوار في أفلام سينمائية منها "معروف الاسكافي" الذي صور في الأربعينيات بالمغرب و "الكيلو" و "في القهوة" أما في مجال الغناء الهزلي فترك العديد من الأغاني الهزلية أشهرها "أنا مليت" و "فلوس  فلوس" "هادي هي الصومبا" . 

اعتقلته السلطات الاستعمارية سنة 1956 بسبب أعماله لينتقل إلى مثواه الأخير في 29 أبريل 1959 إثر مرض عضال اسكنه الفراش.

مريم. ع

 

من نفس القسم الثقافي