الثقافي
محمد ساري يشخص مسارات العنف في كتابه "المطر الذهبي"
عن منشورات الشهاب
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 أوت 2016
يسعى الكاتب محمد ساري في آخر رواية له والموسومة بـ" المطر الذهبي "، إلى تشخيص مسارات العنف في المجتمع الجزائري عبر مسح لواقعه خلال 55 سنة هي زمن الرواية، ويرصد الكاتب من خلال حكايات عديدة وقعت في فترات مختلفة الاضطرابات الكبرى داخل المجتمع، ويقدم هذا العمل الذي صدر باللغة الفرنسية عن منشورات "الشهاب" عبر صفحاته ال290 عدة شخصيات محورية في مواجهة لعدة آفات اجتماعية في رقعة زمنية تمتد لأكثر من 50 سنة يميزها البؤس الاجتماعي والمعتقدات والأكاذيب والتطرف الديني والتي أدت كلها الى تفشي العنف في مجتمع اليوم.
ينطلق الكاتب من خلال المهدي-الشخصية الرئيسية في الرواية-في البحث عن مصادر العنف عند هذا الشاب الذي نصب نفسه إماما وقام في أواخر الثمانينات ب "تطهير ديني" في القرية رفقة أتباعه (رفاق الناقة) في محاولة لفرض سيطرته. وكان المهدي -المتنكر له من قبل والده الذي كان عنيفا مع زوجته-قد تعرض كثيرا للضرب في طفولته وعاش في شوارع وأضرحة القرية كما كان يعيش في دوامة من الشكوك حول هوية والده الحقيقي. وتحدى المهدي عقلاء وإمام القرية باحتلاله منبر المسجد لفرض "القوانين الإسلامية" حسب تأويله للدين. وبدا رفاقه وكلهم ثقة بعدم تعرضهم للعقوبة في حرق أجهزة التلفاز والمذياع والآلات الموسيقية، كما انتزعوا الهوائيات التلفزيونية زارعين بذلك الرعب والشك في نفوس أهل القرية, كل ذلك وسط محالة تصد قوية من طرف بعض مجاهدي حرب التحرير. وتلتحم حول المسار المثير للمهدي قصص أخرى على غرار قصة الشيخ امبارك المشعوذ الذي يقوم "بتخصيب النساء العقر" وهو يعتقد في هذيانه أنه يملك القدرة على إحياء الموتى وأيضا حكاية المجاهد عمار كروش والتاجر جيلالي بولحبال الذين نزحوا إلى المدينة بعد الاستقلال لأخذ نصيبهم من "الغنيمة".كما يلاقي الكاتب هؤلاء بالجيل الجديد لإعطاء صورة عن مرحلة أصبح فيها الشباب أما متطرفا أو ضحية للتطرف أو يلجأ للهروب بحثا عن حياة أفضل. مازجا الواقع بالخيال يستعرض المؤلف حوادث عنف مروع بسرد "الحملات" التي قام بها (رفاق الناقة) في إحدى دور الدعارة وفي إحياء جامعية وكذا جهل هؤلاء الباحثين عن "معجزة" أو"جسر سحري ينقلهم إلى مكة". وإذا كان الكاتب قد ابتعد عن الأدب الاستعجالي -الذي يحاول أن يكون شهادة فورية في زمن الأزمة-إلا أنه انساق إلى تعداد "المآثر" التي تغذي الجانب الدرامي دون خدمة السرد. وبالغ الكاتب في هذا الرواية التي تقاطعت فيها أكثر من حكاية في استعمال السخرية أحيانا لإظهار المواقف الكاريكاتيرية في مشاهد درامية مبرزا "الجهل الجماعي أمام معجزات مفبركة و"الرفض المطلق لمناقشة المسائل الدينية" وأيضا مشهد "تكالب مجموعة من المتطرفين على عاهرة رغم طمعهم المشترك فيها".
ولد محمد ساري سنة 1958 بشرشال وهو أستاذ جامعي ومترجم لكبار الأدباء الجزائريين على غرار آسيا جبار وياسمينة خضرة ومحمد ديب وملكة مقدم وأنور بن مالك. وسبق للكاتب أن أصدر عدة أعمال روائية باللغتين العربية والفرنسية من بينها "الورم" و"البطاقة السحرية" و"الغيث " إلى جانب إسهاماته في الحياة الثقافية والنقد الأدبي.