الثقافي

المعهد العالي العربي للترجمة بالجزائر .. مشروع حضاري يسهم في ترقية اللغة العربية

قالت إن الاحتفاظ بالهوية اللغوية مسألة بقاء، إنعام بيوض:

  • " نسعى لإستغلال الكفاءات العلمية بالجامعات العربية "

اعتبرت إنعام بيوض، مديرة المعهد العالي العربي للترجمة، أن الساحة العربية تفتقر إلى مترجمين يمتلكون خلفية حول الترجمة وأساليبها، كاشفة أن المعهد يفكر بجدّية في الاستفادة من الكفاءات العلمية الموجودة في الجامعات العربية من خلال تكليفها بترجمة كتب في التخصُّصات المختلفة، ومنذ الإعلان عن تأسيسه سنة 2004، وافتتاح أبوابه بصفة رسمية سنة 2005، لم يتوقف المعهد العالي العربي للترجمة، الذي تحتضن الجزائر مقرّه الرسمي، عن شق طريقه بخطى ثابتة ليكون هيئة تعليمية وعلمية ترفع رهان الترجمة العربية المحترفة عاليا، وتضيف الكاتبة بأن هذا المعهد التابع للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، حمل على عاتقه العديد من المهام التي أنجز منها الكثير على الرغم من محدودية إمكاناته وقدراته المادية.

الدكتورة إنعام بيوض، مديرة المعهد العالي العربي للترجمة، تحدثت لوكالة الأنباء العمانية عن تفاصيل ظروف عمل المعهد والإنجازات العلمية التي قام بها خلال مسيرته التي جاوزت 10 سنوات بقليل، وتقول بيوض إنّ المعهد يهتم بثلاثة جوانب: التدريس الأكاديمي، والبحث وإنتاج الترجمة، وتضيف رغم قلة الموارد بدأوا بتدريب مترجمين، لأنّ الساحة العربية “تفتقر إلى مترجمين لهم خلفية نظرية حول الترجمة وأساليبها”، وتتابع بقولها: “كنّا ننتظر أن تتحسّن الإمكانيات، لكنّها بقيت على حالها، إن لم نقل إنّها تقهقرت في بعض السنوات، ومع ذلك أنجزنا شراكات مع بعض التظاهرات الثقافية في الجزائر، خاصة تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية في 2007 التي مكّنتنا من ترجمة 120 عنوانا خلال سنة واحدة، وهذا رقمٌ قياسي بالنسبة لمعهد صغير. ولحدّ الآن، كلُّ ردود الأفعال التي تأتينا بخصوص تلك الترجمات كانت إيجابية. كما قمنا بإنجاز ترجمة كتاب صدر عن اليونيسكو لصالح جامعة الدول العربية”.

وتكشف بيوض أن المعهد يفكر بجدّية في الاستفادة من الكفاءات العلمية الموجودة في الجامعات العربية من خلال تكليفها بترجمة كتب في التخصُّصات المختلفة، مشيرة إلى أنّ عملية حسابية بسيطة تُظهر أن بالإمكان ترجمة 10 آلاف عنوان في حال وجد هذا المشروع “آذانا مصغية” لدى الجامعات التي طُرحت عليها الفكرة. وتستدرك بقولها: “هذا الأمر يبدو أنّه بدأ حماسيا، لكن بمجرد الانتقال إلى شقّه المالي، شعرنا أنّ تلك الأطراف التي توخّينا منها التفاعل الإيجابي، فقدت حماستها، مع أنّ هذا المشروع حضاريٌّ بالدرجة الأولى، ويهدف إلى الإسهام في ترقية اللُّغة العربية”.

وحول نظرتها إلى واقع الترجمة في العالم العربي عموما، وفي الجزائر خصوصا، تقول بيوض: “العرب لا يشعرون أنّ الاحتفاظ بالهوية اللُّغوية هو مسألة بقاء، وعندما تُصبح اللُّغة لغة علم، فإنّها تُصبح لغة مُحاججة ولن تعود لغة أدبيات وروحانيات”. وتضيف: “أشعر بالأسف عندما أرى طلبتنا يعجزون عن التعبير حتى عن الأفكار البسيطة التي تراودهم. في البداية كنت أظنُّ أنّ هذه الظاهرة جزائرية خالصة، لكنّي عندما درّستُ في سوريا لسنوات، لاحظتُ قصورا لغويا لدى الشباب، لأنّهم لا يُتقنون اللُّغة الأجنبية ليُعبّروا بكلّ قدرة عن خلجاتهم، كما لا يُتقنون اللُّغة العربية أيضا”.

وتؤكد بيوض في هذا السياق: “إنّ عدم الإيمان بلغتك معناه عدم الإيمان بذاتك، وعندما يتعلق الأمر بالشباب، فأنت تُعطيهم فكرة سيّئة عن انتمائهم إلى لغتهم بالقول إنّها لغة فلكلور ودين. أما عندنا في الجزائر، فنحن نعيش بقلق إزاء اللُّغة العربية لأنّنا كدنا نخسرها ذات يوم”.

وبشأن الآراء التي ترى أنّ اللُّغة العربية عاجزة عن مواكبة التطورات التقنية والعلمية المختلفة، تقول مديرة المعهد العالي العربي للترجمة: “صحيحٌ أنّ الحديث عن عجز اللغة العربية عن مواكبة العلم أصبحنا نسمعه في كلّ مكان من العالم العربي، لكنّني أرى أنّ القصور يكمن في الأذهان والعقول، واللُّغة العربية بريئة منه، لأنّها ليست سوى أداة ووعاء، وعندما تتمثل هذا الوعاء، فإنّك تتمثّل كلّ هذه الأدوات الحضارية”. وتضرب “الهاتف النقّال” مثالاً، فهو اختراعٌ غربيٌّ جديد، وجد العرب له العديد من المقابلات في العربية منها “الخليوي”، و”النقال”، و”المحمول”. ذلك أنّ اختراع المصطلح كما ترى بيوض هو “تمثُّلٌ للعلم”، مضيفة: “ما الذي يمنع أن نستعير من اللُّغات الأخرى ونحن نرى أنّ القرآن، وهو الكتاب السماويُّ المُعجز، استعار من الفارسية وغيرها من اللُّغات عددا من الكلمات، فكلمة (الصراط) مثلاً فارسية الأصل”.

وعن دور المعهد في الاهتمام بالتعريف بالتراث العربي والإسلامي، تقول الدكتورة إنعام بيوض: “يحتلُّ موضوع التراث أولوية على سلّم اهتماماتنا، مثلما دأبنا على العمل من أجل تحسين صورة الشخصية العربية والإسلامية لدى الآخر، على الرغم من أنّ هناك مؤسسات عربية أخرى تقوم بهذه الوظيفة مثل الأليسكو والأسيسكو، ولهذا أنجزنا كتابا بعنوان (نور على نور) حول القيم الإنسانية الموجودة في القرآن الكريم مع ترجمة معاني تلك القيم إلى خمس لغات عالمية”.

وتلفت بيوض إلى أن المعهد افتتح هذا العام قسما للدكتوراه يضمُّ 23 طالبا ينتمون لعدد من الدول العربية، ويأتي هذا الإنجاز “تتويجا لمسيرة المعهد الذي استطاع منذ افتتاح أبوابه تخريج 350 طالبا وطالبة حاملين شهادة الماجستير في الترجمة”.

وتدعو بيوض العرب إلى وضع ثقتهم في المعهد، لنوعية التعليم المتميّزة التي يوفّرها من خلال استقدامه أفضل الأساتذة من العالم العربي وأوروبا وأميركا. كما قام المعهد بعقد اتفاقية مع جامعة غرونوبل الفرنسية مكّنته من إرسال 10 طلبة للدراسة هناك، كما استقبل 4 طلبة قدموا من جامعة أليكانت الفرنسية، هذا إضافة إلى عمليات تبادل الأساتذة التي كان يقوم بها مع جامعة دمشق في سوريا، وجامعة البلمند، والجامعة اللبنانية، وجامعة اليرموك الأردنية.

وفي سياق متصل، افتتح المعهد قسما لتعليم اللُّغة التركية في إطار تدريس اللُّغات لغير المنتسبين للمعهد، كما أوفد طالبين إلى الصين لتعلُّم اللُّغة الصينية في إطار اتفاق وقّعه مع الملحقية الثقافية الصينية بالجزائر، لتشكيل الكادر الذي سيكون النواة لقسم الترجمة العربية الصينية.

وبعد حصول المعهد على مقر رسمي وسط الجزائر العاصمة، واعتراف وزارة الجامعات الجزائرية بشهادة المعهد، وفتح قسم الدكتوراه فيه، تأمل بيوض أن تتركّز مجهودات المعهد على الترجمة وإنتاجها، لأنّها “السبيل الوحيد لإثراء المكتبة العربية بكتب منتقاة تبعاً لأولويات الاحتياجات الجامعية أو التربوية”. ومن جهة أخرى، يعكف المعهد على دراسة مشروع ترجمة للأطفال، في ظل حقيقة أنّ الأطفال ما بين سن 9 و15 سنة، لا يجدون ما يُناسبهم من كتب باللُّغة العربية، وهذا ما يُؤدي إلى عزوفهم عن القراءة، لهذا “جرى التفكير في توفير مادة مشوّقة ومفيدة لشحذ فضول هؤلاء الأطفال، وترغيبهم في القراءة بلغة عربية سليمة تكون سندا لهم لتجاوز عقدة اللُّغة عبر مسيرتهم الدراسية بمراحلها المختلفة”.

مريم. ع

من نفس القسم الثقافي