الثقافي

"شهـرزاد المغـربية" كتــاب يحتفـي بفاطمة المرنيسي بعد رحيلها

بمساهمة من الشاعرة والأديبة ربيعة جلطي

 

صدر مؤخرا مؤلف جديد حول الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي، حمل عنوان «شهرزاد المغربية/ شهادات ودراسات عن فاطمة المرنيسي»، وهو أوّل كِتاب يصدر بعد رحيل الكاتبة في 30 نوفمبر 2015، ويقع في أكثر من 300 صفحة، و قد أنجزه وقام بتحريره الشاعر المغربي ياسين عدنان، و ساهم فيه نخبة من أصدقاء الراحلة و محبّيها من المشرق و المغرب، بشهادات و مقالات احتفت بأثر العالمة السوسيولوجية و سيرتها وأفكارها ومواقفها، حيث سجلت الجزائر مساهمتها فيه من خلال شهادات قدمتها الشاعرة والأدبية ربيعة جلطي.

الكِتاب تكفّل بنشره مركز الشيخ إبراهيم آل خليفة للثقافة والبحوث بالبحرين، بمساهمة من المؤسسة العربية للدراسات و النشر، وقد قال عنه المؤلف ياسين عدنان: «شهرزاد المغربية، كتابٌ عن فاطمة المرنيسي تطوّعتُ لإعداده و تحريره في فترة زمنية قصيرة جدًّا. أُنْجِز في شهر واحد، بمساهمة نخبة من أصدقاء الراحلة ومحبّيها. كتابٌ وقّعناه في البحرين».

ويضم العمل ثلاثة أقسام «شهادات، دراسات، تلويح وداع». في قسم الشهادات، نجد مقالات تستذكر الراحلة و تفيض في الحديث عنها، وقعتها أقلام مجموعة من الكُتاب و الأكاديميين و الباحثين من أصدقاء المرنيسي، وبعض المشتغلين على كُتبها ومؤلفاتها، منهم: إدريس الكراوي، بمقالته المعنونة بـــ»فاطمة المرنيسي كما عرفتها»، في حين تستحضرها جميلة حسون بمقالة بعنوان «شيء من فاطمة المرنيسي»، وفاطمة الزهراء طموح السباعي بـــ»لبؤة الدراسات النسائية في الإسلام»، كما نجد مقالة للكاتب و الباحث الأكاديمي خالد الحروب «سر بسير زمانك تسير»، تناول فيها تفاصيل الصداقة التي جمعته بالراحلة و يستذكر فيها بعض أيامه و لقاءاته معها، معرجا على أكثر من لقاء و أكثر من مكان، وجاء في نص شهادته: «تتلقفنا بالترحاب و العناق و سيل الأسئلة عن الصحة و الناس والأحباب. نمشي جميعاً. هي تتهادى أمامنا كالريح بقامتها الطويلة وتنشر ابتسامتها في المكان. تلقي جسدها العريض المتفاخر تحت تنويعة الملابس المغربية الريفية بألوانها الصارخة في ضيق الأزقة، فتتسع الأزقة و تنفرج الطرقات. تتلاحق رنات القلائد و الحلوق والخلاخيل التي تلبسها، كأنما ملكات المغرب يستيقظن من قديم الزمان...».

من جهتها استذكرت الشيخة مي آل خليفة بنوع من السرد الحميم والمُمتن علاقتها بالمرنيسي، إذ تقول: «التقيتُها لأول مرة في برلين صيف 2004 و كان أن أقنعتني بضرورة المشاركة في معرض الكتاب الدولي في فرانكفورت من العام ذاته. آنذاك كانت الدول العربية ضيف شرف، وكانت الثقافة الرسمية غائبة رغم دفعها لحصة المشاركة!. بعدها توالت لقاءاتنا في البحرين والمغرب و أماكن أخرى، وفي بيتها التقيتُ بمختلف الجنسيات من أوروبا و أمريكا ومن الشرق الأقصى، وكان ما يوحِّدُهم ويجمعهم إيمانهم بدور المجتمع المدني في تغيير العالم. و على الدّوام. منها تعلمنا الكثير ومن كِتابها «الحريم السياسي» لبّينا دعوتها للعودة إلى أمهات الكُتب لنقرأها دون أحكام مسبقة و لنشكل استنتاجاتنا الخاصة».

ياسين عدنان الذي قام بإعداد وتحرير الكِتاب، كانت له أيضا مقالة مستفيضة عن الراحلة في قسم الشهادات بعنوان «ثلاثة مواقف مع فاطمة المرنيسي»، استحضر فيها بعض المواقف معها. محتفيا بهذا قائلا: «إنها شهرزاد معاصرة، تعرف كيف تستعمل عقلها، لا جسدها، لمواجهة الاختزال، عنف الخطاب، و القتل الرمزي»، مضيفا: «توقّع منها الغرب أن تزوّده بالمزيد من حكايات الحريم الشرقي و أن تواصل تشريح البُنى الذكورية في العالم العربي الإسلامي، فإذا بها تنقلب عليه لتفضح الحريم الغربي الأكثر قسوة على المرأة و اختزالاً لها و نيلاً من إنسانيتها. كما ظلت تفاجئ قرّاءها باستمرار و تدهشهم و تأتيهم دوماً من حيث لا يحتسبون. بعد عودتها من أمريكا، توقّع منها الأكاديميون المزيد من الأبحاث «الرصينة» ففاجأتهم بمحكيات الطفولة، و بانحيازها للأدب. توقعت منها مناضلات الحركة النسائية فضح العقلية الذكورية و عمقها المرجعي في الثقافة العربية الإسلامية، فإذا بها تكتب لتشرح لهن كيف كانت المرأة عزيزةً رفيعة القدر في تاريخ الإسلام منذ «نساء النبي» حتى «السلطانات المنسيات». يساريو تلك الأيام توقّعوا منها المزيد من نقد التراث الديني، فإذا بها تدافع عنه بطريقتها، هي الفقيهة المتصوّفة». 

أما في قسم الدراسات، فقد ضم مجموعة من مقالات و مقاربات تناولت فكر و أدب صاحبة «السلطانات المنسيات»، تنوعت وتعددت في أطروحاتها، وهي تحتفي بالمنجز الفكري و السوسيولوجي الذي قدمته الكاتبة و الباحثة و أثرت به المكتبة العربية و الكونية، ومن خلالها أضاءت على أفكارها و مواقفها، منها: «مفارقات الكتابة عند فاطمة المرنيسي» للأستاذ محمد نور الدين أفاية، «فاطمة المرنيسي إذا أفصحتْ» لعبد الله إبراهيم، «النقد و النقد المضاد في خطاب نساء العالم الثالث» لفاطمة المحسن، «عقل بحجم عظمة امرأة»، لسعيد بوخليط. كما يسجل خالد الحروب حضوره مرة أخرى في قسم الدراسات بمقالة «سندبادة فاس تتعولم ضد الكاوبوي». 

و استعرضت من جهتها الكاتبة و الشاعرة الجزائرية ربيعة جلطي بعض خطابات المرنيسي من خلال مقالة عنونتها بـــ»لسان الأنوثة المعتقلة». أما الكاتبة أسمهان عقلان العلس، فتناولت في دراستها كتابها «النبي و النساء»، و عرجت على بعض قراءات المرنيسي التي تناولت القضايا الدينية والإسلامية. 

أما القسم الثالث و الأخير، فحمل عنوان «تلويح وداع»، وفيه تلويحات لكُتاب و أدباء ترثي الراحلة، و تغدق عليها بفيض محبة و شاعرية، حيث يرثي قاسم حداد المرنيسي بمرثية عنونها بــــ»صديقة الأمل»، وحسن كمال بـ»قلم ضد تقسيم الكون»، في حين تصفها الروائية عالية ممدوح بـــــ»الزاهية»، و عائشة المانع تلقبها بـــ»سيدة الألم»، و بيار أبي صعب، يكتب بنوع من الاعتراف: «علمتنا أن نمعن النظر في ما وراء الحجاب».

فريدة. س

من نفس القسم الثقافي