الثقافي

واسيني الأعرج: "الكتابة نجاة المبدعين من مآسي التاريخ"

قال إنها أبدية الإنسان في تحولاته وفي مواجهته لأقداره

 

 

قال الروائي واسيني الأعرج إنه "رغم حالة الانتشاء والتجلي التي تورثها الكتابة، فهي لم تكن في أي زمن من الأزمان حالة ارتكان وســعادة خالصة، وأن الثمن الباهظ الذي دفعه الكتاب والمبدعون والخلاقون من العلماء، لا يحتاج إلى توصيف أبدا، فالذاكرة الجمعية مثقلة بالدم والآلام والخوف والرعب".

وأضاف واسيني قائلا أنه: "رغم كون الكتابة هي الحلقة الأضعف في الوســائط الدفاعية عن الذات، إذ لا تملك قوة مادية تجعلها في منأى عن الظلم، لكنها في الوقت نفســه المظهر البشري الوحيد المحاذي للخلود والاستمرار رغم كل سبل القمع التي مورست عليها، والعاصفة التي لا يمكن لأي طغيان أن يصدها، ففي الوقت الذي نظنها فيه قد انتهت، تقوم الكتابة مــن رمادها مثل طائر الفينيــق، لتعيد إبداع الحياة من جديد وتركيب المفكك ومنحه حياة جديدة، فهي تحمل الشيء ونقيضه، وترتقي نحو الإنسان حتى وهي في عز الهزيمة كما يقول دون كيخويت".

وأكد صاحب كتاب "سيرة المنتهى عشتها كما اشتهتني"، أن "لا هزيمة في الكتابة" حيث أن قدرها أن تبقى مســتمرة بين قطبي التناقض "من الســعادة إلى أقاصي الحزن، من الفرح إلى التراجيدية، من التيه إلى النور، من المندثر والآني إلى الأبقى والأزلي، وربما كان ذلك هو سرها العميق ومنبع غموضها أيضا"، مستنتجا في النهايــة أن "فعل الكتابة هو فعل الحياة محاط بهالة من النور، ولكن أيضا بكل وسائل إشاعة الظلمة والدمار والمزالق الخطيرة".

ويرى واسيني أنه "لا خيار أمام الكتابة ســوى أن تكون هي أبدية الإنسان في تحولاته وفي مواجهته لأقداره وأن تقاوم كل ما يبتذل كيانه ويسرق منه إنسانيته التي لا قوة قادرة على ترميمها مثل الكتابة، حيث أن هذه الأخيرة واجهت خلال رحلتها المدهشة مختلف أمزجة التاريخ الصعبة، ودمه وقسوته، وانهيار قيمه ويقينياته".

وشدد الكاتب على أن الكتابة هي من قاومــت بجماليتها التي أنتجتها من بقايا الرماد، دين "محاكم التفتيش المقدس، في القرون الوســطى، وعنف الكنيسة كما عبرت عنه سرا الكوميديا الإلهية لدانتي، وخلفت وراءها شهداءها الذين وقفوا ضد تحويل الإنسان إلى سلسلة من الطقوس التي يقف وراءها الرعب بمحارقه وعذابه والضغائن ضد كل من لا يشبهها".

وأردف صاحب رواية "2084.. حكاية العربي الأخير"، أن "العالم الجليل غاليليو عانى منها وظلت الأرض تدور كما رآها وحسبها، وظلت الشمس مثبتة في مكانها، وكان على سريفانتس أن يبحث عن وثيقة نقاء الدم التي تثبت لمحاكم التفتيش المقدس أنه لا وجود لا لجد يهودي أو مســلم في سلالته، لأنه في لحظة من اللحظات دافع عن المهجرين الأندلسيين بعنف الطرد القسري في حملة 1609.. وأحرق فولتير قوارب النجاة ووقف مجابها لرياحها وعواصفها وتهديداتها بقوة ومدافعا عن رموز البراءة في عائلة كالاس التي كانت ضحية المنظومة الدينية اليقينية وخصص لها كتابا بكامله: مقالة في التسامح".

وقال واسيني:"ذات المعاناة عانى منها مبدعون عرب أمثال "أبو العلاء المعري، وابن المقفع، وابن رشد، وابن خلدون، وغيرهم ممن صنعوا مجد الإبداع والعقل العربي، وذاقوا الأمرين من سدنة التطرف الديني، الذين أعطوا لأنفسهم حق محاكمة الآخرين، فأحرقوا كتبهم، ولم ينج نص "ألف ليلة وليلة" من ألسنة النار إلا بأعجوبة، في النهاية، خرج نور الحرف من أكوام الرماد، وانتصرت الكتابة، لأن النصوص المحروقــة أو الممنوعة وصلت إلينا، بعد قرون من مهالك العبور ومصاعبه، وجــدت الأيادي التي تداولتها عبر الحقب لتصل إلى مطابع عصرنا وتنقذ من النسيان".

وأضاف ذات الأديب قائلا: "لا نعرف بدقة، بأية قناة وصلت إلا قناة الكتابة التي تصنع أسرارها ومعجزاتها، فقد قاومت الكتابة أيضا ظلم الفاشيات الصاعدة في القرن العشرين التي خلفت دمارا بشريا غير مسبوق، حيث اغتالت ذات فجر عصفور الشعر الإنساني غارسيا لوركا في الحرب الإسبانية الأهلية، سحقت أصابع المغني التشيلي فكتور غارا الذي لم يملك سلاحا يوما ما إلا قيثارته، واغتالت المسرحي الكبير عبد القادر علولة وهو يتجه نحو مسرحه في وهران. بعد حربين عالميتين، واعتداء نووي على ناغازاكي وهيروشيما وضعت الإنسانية نفســها لأول مرة أمام مفترق الطرق: إما الإبادة الشاملة التي أصبحت ملكها ولم تعد ملكا للطبيعة وحدها، أو خيار الحياة، وفي هذه الحالة يجب التفكير في كيفيــة إعادة إبداع الحياة، وكانت الكتابة ماضي البشرية وحاضرها الحي الذي دفع بها نحو أعماق الإنســان لتمنحه فرصة إعادة تشكيل الحياة وهي في يأس رمادها".

مريم. ع

من نفس القسم الثقافي