الثقافي
رحيل عميد الصحافيين الجزائريين الطاهر بن عيشة
سيشيع جثمان الفقيد بمسقط رأسه بمدينة "قمار" في وادي سوف اليوم
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 03 جانفي 2016
رحل ليلة السبت إلى الأحد عميد الصحافيين الجزائريين، الأديب والإعلامي والمفكّر الجزائري الطاهر بن عيشة عن عمر ناهز الـ91 سنة بمستشفى الدويرة بالعاصمة، بعد صراع طويل مع المرض، وتدهورت صحته في السنتين الأخيرتين من عمره، وكان الطاهر مصاباً بمرض الزهايمر في الأشهر الأخيرة حيث أوصى قبل الوفاة بدفنه في مسقط رأسه بمدينة قمار بوادي سوف، ويعتبر بن عيشة بمثابة ذاكرة للجزائر المعاصرة لعمق ثقافته ورسوخ أفكاره فيما هو حداثي وعقلاني، ترك اليساري ذو النزعة العلمانية رصيداً إبداعياً ضخماً على أكثر من صعيد، كما خاض تجارب نضالية وثقافية وإنسانية على مدى نصف قرن.
وُلد عام 1925 في وادي سوف، ومع بداية عام 1943 اتجه لدراسة علوم الدين في جامع الزيتونة، ليستقر في العاصمة الجزائرية عام 1949، ويعتبر من أول من التحق بالحركة الجزائرية، حيث انخرط في العمل السياسي وبعدها النقابي، برفقة العديد من نشطاء الحزب، الذين تولوا فيما بعد مناصب قيادية في الحركة الوطنية وجبهة التحرير الوطني، على غرار الشهيد مصطفى بن بولعيد والراحل عبد الحميد مهري.
انخرط في مجال الصحافة مع أستاذه السعيد الزاهري في صحيفته "عصا موسى"، التي أصدرها عام 1950، ولكن السلطات الاستعمارية أوقفتها بعد صدور عددها رقم 16 بسبب مواقف المطبوعة الجريئة، وسُجن يومها كل من بن عيشة والزاهري. انضم بن عيشة بعدها إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1962 وكانت بداية عمله مع الإذاعة التي انكب فيها على إعداد وكتابة 4 برامج أسبوعية من بينها: صوت العمال، ومنك السؤال والجواب، ونافذة على إفريقيا.
وكانت له منذ شبابه الأول عدة مؤلفات غزيرة عن الحضارة الإسلامية في الجزائر والإسلام في آسيا الوسطى وإفريقيا لا سيما غرب القارة السمراء، كما حرص بعمله الإعلامي الميداني المرموق، على التوثيق بتقارير تلفزيونية من خلال أسفاره الكثيرة التي جاب فيها العالم واستحق عنها لقب "الرحّالة" الذي كان مسكوناً بهاجسَي الكتابة والتوثيق.
وزار العديد من البلدان وتكونت لديه ثقافة كبيرة حتى وُصف بـ"الموسوعة المتنقلة"، كما التقى كبار الكتاب العرب والأجانب ومختلف الشخصيات السياسية والتاريخية طيلة مسيرته التي لم يكتب لها أن ترى النور في مذكرات، وهو الذي يؤكد قائلاً: ''كنت شاهداً على مرحلة طويلة بكل ما فيها من تناقضات وكنت متردداً هل أقول الحقيقة أم لا؟''... لم يوثّق كل تجاربه ومعارفه التي اختزنت تاريخ البلد ويقول: ''التعقيد الموجود في كتابة المذكرات هو التعقيد الموجود في كتابة التاريخ الوطني، لأن القضية هي أن نقول الحقيقة أو لا نقول الحقيقة''.
وقال الطاهر بن عيشة عن نفسه "لم يحدث وأن ندمت يوماً عن شيء قلته، فمنذ زمن طويل لا أقول إلا الحقيقة، لا أرحم لا حاكماً ولا محكوماً". ولُقّب بعدة أوصاف فلقبه الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم بـ "إمبراطور النميمة"، كما لقبته صحيفة روسية بـ "الرجل الذي لا يتعب"، أما الرئيس الراحل هواري بومدين فلقبه بـ "الرجل الواعر".
مريم. ع