الثقافي
"سييرا دي مويرتي" تفتح باب النقاش حول علاقة المبدع بالتاريخ
حازت على جائزة آسيا جبار للرواية في طبعتها الأولى
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 نوفمبر 2015
يعود الروائي عبد الوهاب عيساوي في روايته الفائزة بجائزة آسيا جبار 2015 لينتقل في التاريخ ليكشف تفاصيل معتقل "عين أسرار" بمدينة الجلفة الذي أودع فيه عدد كبير من الشيوعيين في الثلاثينيات من القرن الماضي حسبما يقول الروائي اسماعيل يبرير في تقديمه للرواية.
الرواية التي تقتحم عالم المعتقلين الأجانب في سجون فرنسا الاستعمارية بالجزائر، مؤخرا عن الرابطة الولائية للفكر والابداع بالوادي، حيث يسرد الكاتب سيرة شخصيته الافتراضية مانويل الذي يجد نفسه معتقلا بعين اسرار، وهو المعتقل الذي شهد عبور الشاعر الكبير ماكس أوب والمفكر الفرنسي روجيه غارودي وغيرهما في المنتصف الأول من القرن العشرين- رفقة مناضلين شيوعيين اسبان وفرنسيين وبولنديين ومن جنسيات اخرى.
ويقدم الروائي نصه مستدعيا شخصيات متعددة الجنسيات والديانات (عرب، اسبان، فرنسيون، مسلمون، يهود، أناركيون وملحدون) لتكون شاهده على حقبة غلب عليها التاريخ الاستعماري وأغفلت معاناة أطراف أخرى على غرار الشيوعيين الاسبان عشية سقوط اسبانيا في يد فرانكو وهزيمة الجمهوريين في الحرب الأهلية الاسبانية.
الاسبانيان بابلو ومانويل هما الشخصيتان الرئيسيتان في القسم الأول للرواية، يجرفان الثلج عن السكة الحديدية بالجلفة بينما يتذكران برشلونة التي سقطت قبل ثلاث سنوات لتبدأ الرواية في جلب انتباه القارئ عبر حوارهما وسرعان ما يظهر مانويل كبطل وسارد رئيسي يحمل معه "سيرا دي مويرتي" وهو مكان افتراضي ايضا أوجده الكاتب.
ضمن مسار نمو الشخصيات يظهر أحمد الصبائحي ظهورا خافتا في حين يبرز الأسير اليهودي البولندي كورسكي المأخوذ بالسلوك الديني للمسلمين والذي يعتبر أن "الله أقرب إلى البشر هناك".
يبدو أن أبطال الرواية مصابون جميعا بالإحباط والخيبة والسبب ليس فقط فشلهم في اسبانيا، بل هو خذلان فرنسا لهم فبعد أن وعدتهم بالمساعدة للعودة إلى إسبانيا ها هي تنقلهم أسرى إلى معتقل إفريقي فهم يرددون "لقد جيء بنا لنموت هنا".
تنقل الرواية مشاهد رحلة الاسرى من معتقل "فاني دارياج" (Venet d'Ariège) بالجنوب الفرنسي إلى معتقل "عين أسرار" بالجزائر، بينما تبقى سييرا دي مويرتي عالقة في ذاكرة الرواي مانويل الذي يتذكرها في كل مرة. يصف عيساوي باجتهاد واقع المعتقلين وعلاقاتهم مع السكان الأصليين والممارسات التي اشتركوا فيها كالتجارة وتهريب المساجين في جولات بالمدينة، لكنه يصف أيضا الحالة النفسية والأحلام والرؤى التي تحوم أعلى المعتقل، لا تخلو رواية عيساوي الثانية من الحب فمانويل يتلقى رسائل زوجته الحبيبة ويأمل أن يغادر المعتقل رغم أنه يبقى أخيرا وينقل خبر اختفاء بابلو بعد فقدان الاتصال بحبيبته الفرنسية، هناك وجه آخر للاستغلال يبرزه مدير المعتقل المدعو كابوش الذي يحصل على مداخيل مقابل الأعمال الشاقة التي يقوم بها معتقلوه، بينما يسلط عليهم ضابطه المطيع عديم الرحمة غرافال ليحافظ على الانضباط.
ويعلو السؤال الفلسفي والوجودي ذروة الرواية ببروز خيار الكاتب الذي يضع اليهودي كورسكي في مواجهة غير صريحة مع بطله الرئيسي مانويل الملحد، إلى أن يحرر كورسكي وأغلب من وفد معه بينما يبقى مانويل يتساءل عن "مدى قدرة مدينة صغيرة على احتمال ثلاث ديانات" وكأن العالم غيرمعني به في النهاية يستعيد الصبائحي أحمد مكانة ضمن رواية عيساوي عندما يرفض تنفيذ اعدام جماعي ضد المعتقلين الثائرين على وضعهم، ويتحدى الضابط غرافال قائلا : "لسنا نحن الذين نرفع السلاح في وجه الأسير".
نجح عيساوي في تبريد السرد في كل مرة من خلال حوارات أو مونولوغات مانويل وضمنه بذكاء معالم الحياة في مدينة المعتقل، كما استطاع أن يصغي لخصوصية أبطاله وحالاتهم، ويمكن اعتبار مغامرة الروائي عبد الوهاب عيساوي نموذجا مميزا مقارنة مع الثيمات التي يطرقها ابناء جيله، فهي رواية تاريخية تخييلية مليئة بالأسئلة السياسية والوجودية، ورغم وجود شخصيات وأحداث حقيقية إلا أن الشخصيات الرئيسية وعلى رأسها مانويل والحكاية كلها متخيلة.
ويعتبر الكاتب أحد الروائيين الجدد الذين سجلوا حضورا في السنوات الأخيرة، خاصة من خلال روايته الأولى "سينما جاكوب" التي حازت جائزة علي معاشي 2012، كما سبق وأن توج بجائزة القصة القصيرة بمهرجان أدب الشباب، توج منذ ايام نص "سييرا دي مويرتي" بجائزة الرواية القصيرة بوادي سوف لهذه السنة وهي جائزة دأبت الرابطة الولائية للفكر والابداع بالوادي على تنظيمها سنويا.
فريدة. س