الثقافي

أحمد طيباوي يبحث عن معنى الانتماء

في روايته الأخيرة الموسومة بـ "مذكرات من وطن آخر"



يفتش الروائي الجزائري أحمد طيباوي في روايته الأخيرة "مذكرات من وطن آخر"، عن معنى الانتماء، ومن خلال نص على شكل خطاب أو اعتراف من الراوي، يقارب مفاهيم الغربة والوفاء والحب. وعبر192 صفحة، عن منشورات الاختلاف بالجزائر وضفاف بلبنان، يقدم الكاتب رواية سياسية بحس نقدي تحكي مسارالصديقين علاوة دراز(الراوي) ومصطفى عبد الباقي اللذين يعرفان مصيرا متقاطعا، ففي حين يفتقد علاوة العائلة ينفرمصطفى من أسرته غيرالسوية ليهاجر ويترك رعاية أمه لصديقه حسب تقديم الكاتب اسماعيل يبرير.
تبدو الغربة حالة مشتركة بين جميع أبطال الرواية بما فيهم الراوي علاوة الذي أراد أن يسرد حكاية مصطفى، لكنه سرعان ما تحول إلى تسجيل تقاطعات الغربة بينهما وباقي الشخوص "إني أكتب عن نفسي وأنا أكتب عنك". وبمقابل الغربة التي يعيشها، يتوهمها أو يسعى إليها الجميع، يقترح الروائي قصة المجاهدة فاطمة عبد السلام التي تتردد على سطيف من فرنسا، وهي مفارقة أن تسكن المدن والأوطان قلوب المهاجرين في غرباتهم، تقرر فاطمة أن تأخذ بيد مصطفى وتتبناه مقابل أن يتبنى ايمانها بالوطن. في غياب مصطفى تتسلل شقيقته المثيرة سهام إلى أفكار علاوة ثم يسقط في شراكها، ويهم بها لكنه يسمع صوتا يقول له "إن لحظة خيانة قد تغرق دهرا من الوفاء" فيقفز مذعورا، ويسمي الحادث "نصف خيانة أو نصف وفاء" ويحمل الخيانة مفهوما سياسيا. في "مذكرات من وطن آخر" ما يزال طيباوي وفيا للغته المكثفة، فتبدو اللغة عنده عاملا مهما، بل بطلا آخرإلى جانب شخوص الرواية، حيث يعتني بها أشد الاعتناء، يرسم طيباوي لوحة درامية عالية بين مصطفى ووالدته، وينقل القارئ من أجواء السرد ليضعه في قلب اللحظة، حين يطلب مصطفى من أمه أن تغفر له هجرته إلى فرنسا. وهناك رمزية مقصودة في نص طيباوي الجديد، فالأم المغدورة بحبها لابنها الذي لا يستطيع أن ينقذها من مأزق الوالد القاسي والحياة الضنكة هي وطن آخر وبيت المجاهدة فاطمة عبد السلام هو متحف وذاكرة (تاريخ الوطن) تسعى لحفظها.  يقدم الروائي تفاصيل مدينة سطيف شزرا في كل مرة واصفا البرد الذي تكدس في شوارعها. وليضع قارئه في صورة البعد الزمني لنصه يقترح جمل استعجالية تلخص الوضع "حرب غزة انتهت... قمم عربية للنحيب... آمال بقدوم الرئيس الأمريكي الجديد أوباما... المنتخب الوطني يجري تحضيراته لتصفيات المونديال".... يوجد حضورثقافي واسع في رواية طيباوي الجديدة، حيث يحضرأبو حيان التوحيدي ونيتشه ودوستويفسكي وجون دو لافونتان وأوسكار وايلد وجون كوكتو وألبير كامو وآخرين, لهم حضروا بمقولاتهم أو رؤاهم، ويعلو سؤال وجودي يطرحه علاوة على مصطفى عندما يقول له "أما أن أن نتزوج على كل منا أن يعثر على شريكة حياته " فيجيب مصطفى: "أليس علي أن أجد حياتي أولا" وهو تساؤل يشترك فيه جيل كامل، ورغم أن علاوة تزوج وتوهم السعادة أو الوطن في زوجته ابتسام, إلا أن حياته الزوجية انتهت بطلب من الزوجة التي لم تعد تريد أن تشاركه وجوده، ليبقى هو فريسة لسؤال الوطن، إذ لا يمكن لامرأته أن تكون وطنا له.
حمل الروائي حكايته السياسة والتاريخ منذ البداية، لكنه لم يمنح الشق التاريخي ليكون رديفا للحكاية كلها، وكان بوسعه أن يستثمر فيه ليصبح أكثر حضورا، خاصة وأن فاطمة عبد السلام كانت احدى أكثر الشخصيات اتزانا. صدر لأحمد طيباوي –وهو استاذ بجامعة سطيف- رواية "موت ناعم" وسبق أن حاز جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي وجائزة علي معاشي للمبدعين الشباب، فيما ستصدر له قريبا رواية "المقام العالي".
فريدة. س/ الوكالات

من نفس القسم الثقافي