الثقافي

الأندلس..جسر الحضارة بين الشرق والغرب

كانت رمزا للتسامح بين الأديان والانسجام الديني والعرقي

 

 

في عام 711، أرسل والي أفريقيا موسى بن نصير في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، القائد طارق بن زياد على رأس جيشٍ يضمّ حوالي 7 آلاف رجل لفتح جزيرة إيبيريا، ونجح في عبور المضيق الفاصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والذي عُرف فيما بعد باسم «مضيق جبل طارق»، وتوغّل إلى إسبانيا واستولى على بعض القلاع والمدن الإسبانية. 

وبعد الفتح الإسلامي لمدينة الأندلس في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، كان هناك توجّهاً في هذه الحقبة إلى مزيد من التوسّعات الإسلامية، حيث شهدت الشعوب تبادلاً ثقافياً وتعاوناً بين المسلمين والمسيحيين واليهود الذين دفعوا ضريبة توفير الحماية «الجزية»، وفي عهد الخلافة في قرطبة كانت الأندلس منارة للتعليم، وواحدة من المراكز الثقافية والاقتصادية الرائدة في أوروبا، وجميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط والعالم الإسلامي. 

ويرجع الفضل في ذلك إلى علماء المسلمين الذين ساهموا في نقل إنجازاتهم وابتكاراتهم واختراعاتهم إلى أوروبا -على سبيل المثال- شهدت الأندلس تقدّماً في علم المثلثات والرياضة على يدي جابر بن حيان، وفي الطب والجراحة على يدي أبي القاسم الزهراوي، وفي علم الصيدلة على يدي ابن زهر، وغيرها من المجالات، حتى أصبحت الأندلس مركزاً رئيسياً لتعليم وتنوير أوروبا وجميع أنحاء دول البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى أنها كانت ممرا للثقافة والعلوم بين العالمين الإسلامي والمسيحي. 

وأصبحت معظم مدن شبه الجزيرة الإيبيرية جزءاً من توسّعات الإمبراطورية الأموية الإسلامية، وتمّ تعيين ولاة الأندلس من قِبَل أمير القيروان بدلاً من الخليفة في دمشق، كما تمّ تعيين عاصمة الإقليم الأندلسي في قرطبة، حيث تدفق المسلمون في جميع أنحاء البلاد إلى إسبانيا، ومع ذلك كانت العلاقات بين العرب والبربر في الأندلس متوترة في السنوات التي تلت فتح الأندلس، لا سيما بعد استبعادهم من حكم المدن وتعيينهم مساعدين للأمراء العرب، بالتالي ظهرت حركات تمرد من قِبَل الجنود البربر بشكل متكرر. 

وخلال فترة الحكم الإسلامي، استوعب العديد من المسيحيين في إسبانيا الثقافة الإسلامية وتعلّموا العربية، لدرجة أن بعض النساء المسيحيات أطلقن على أطفالهن بعض الأسماء الإسلامية، فضلا عن ارتدائهن الحجاب. 

لكن أدت الخلافات الكثيرة بين الحكام المسلمين إلى ضعف الحكم، وفقدان السيّطرة على مجريات الأمور السياسية والاجتماعية، وتدهور وضع المسلمين في إسبانيا بشكل كبير في منتصف القرن الحادي عشر، حيث وقعت ثورات داخلية من قِبَل المسيحيين، انتهت بسقوط وانهيار هيمنة المسلمين على إسبانيا والأندلس في عام 1492. 

ويقول د. فتحي أبو سيف، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس: أنتجت إسبانيا حضارة عظيمة متقدّمة بفارق كبير عن بقية أوروبا، حيث جعل المسلمون الأندلس تحت حكمهم مركزاً للتعلّم والمعرفة، وكان يدرّس المسلمون للإسبان القراءة والكتابة والرياضيات واللغة العربية والقرآن الكريم، والحديث الشريف والعلوم والطب والفلك والملاحة، ونتيجة لذلك قدّمت الأندلس عدداً كبيراً من عمالقة الفكر والفلاسفة والأطباء والعلماء والقضاة والفنانين. 

ويضيف د. وليد الشرنوبي، الباحث في التاريخ الإسلامي: أن الأندلس كانت مركزاً للتنوير في الغرب ودول أوروبا، حيث سافر الباحثون الغربيون إلى إسبانيا وصقلية لتعلّم اللغة العربية، فضلاً عن ترجمة كتب ومجلدات ومؤلفات العلماء العرب إلى اللغة اللاتينية، بالإضافة إلى تعلّم كيفية تطوّر المسلمين في الصناعة، حيث أنتج المسلمون القطن والورق والملح والحرير والفلفل والطوابع والساعات والصابون والخرائط، بالإضافة إلى أكثر من 200 من أدوات الجراحة لعلاج الأمراض، بالتالي فإن ظهور الحضارة الإسلامية في إسبانيا كان عتبة رئيسية وراء النهضة الأوروبية خلال فترة وجود المسلمين في إسبانيا. 

ويؤكد أن النهضة الإسلامية في إسبانيا وصلت إلى أن الحرفيين المسلمين طبّقوا مهاراتهم الرائعة في فنون العمارة للمساجد والقصور، سواء في قصر الحمراء أو مسجد قرطبة الكبير، حيث يُعتبران من التحف المعمارية الرائعة والشهيرة الموجودة في إسبانيا حتى يومنا هذا، ومع ذلك لا يوجد الكثير من العمارة الإسلامية المتبقية في إسبانيا، لأنها دُمرت بعد سقوط الأندلس. 

م. ع/ الوكالات

من نفس القسم الثقافي