الثقافي

نجوى بركات..سر واحد بين لغتين

على الرفّ

 

أصدر المستعرب فيليب فيغرو الترجمة الفرنسية لرواية الكاتبة اللبنانية نجوى بركات "لغة السر" عن دار "سندباد" الباريسية التي أسسها بيار برنار سنة 1972 وجعل منها -بعناده وجهاده- أبرز دار نشر فرنسية متخصصة في التعريف بالآداب العربية القديمة والحديثة والمعاصرة. 

اختارت بركات أن تستهل عملها بإشارة نقلتها عن عالم اللغة العربي الشهير أبي الفتح ابن جني صاحب كتاب "الخصائص" هذا الذي طرح على وعي اللغة العربية -أو بالأحرى على لا وعيها- سؤالا محيرا لا يخلو من إرباك "لماذا قالوا "كلم" للجرح، و"كلم" للكلام؟". 

لم ترض نجوى بركات بالإجابة التي قدمها ابن جني نفسه حين قال "ذلك أنه (يعني الكلام، أي المنجز اللغوي العربي) سبب كل شر وشدة في أكثر الأمر"، بل إنها سعت إلى صياغة إجابتها الخاصة، وما الإجابة التي قدمتها إلا الرواية نفسها بأحداثها وشخصياتها وخلفياتها ودلالاتها وأبعادها التي جعلت من اللغة العربية دراما مفتوحة على جرح نازف. 

تسحب نجوى بركات قراءها إلى عالم روائي قائم على الأضداد والتناقضات فتقودهم إلى قرية "اليسر" التابعة قانونيا لقضاء "الكرب"، وتغوص بهم في أسرار أخوية "الوفاء" التي يبدو قاطنوها -في الظاهر- متناغمين مع ذواتهم ومع الوسط الذي وجدوا فيه، ولكنهم -وراء جدران "الأخوية"- يقودون صراع الإخوة الأعداء وسط صمت مهيب/مريب تواطأ فيه الجميع على حفظ الأسرار الفاضحة التي سيتضح لاحقا أنها تعبق برائحة الفجيعة والدماء. 

"لم يكن من السهل أن يترجم هذا النص إلى لغة أجنبية، مما جعل نسخته الفرنسية مثقلة بالهوامش والتوضيحات التي كان لا بد منها حتى تنجح لغتان في تقاسم سر واحد اسمه "متاهة اللا معنى".

كان كل شيء ينبئ بالسكون إلى أن هبت العاصفة في شكل كابوس رأى فيه "سراج" (إحدى شخصيات الرواية) "حرف النون (ن) ملقى على الأرض مقلوبا ونقطته تعبط في داخله حتى الاختناق"، ثم رأى "حرف العين (ع) فاتحا فاه على أقصاه يوشك أن يطبق فكيه كالثعبان" ثم شاهد "الياء (ي) سابحة على وجه الماء تحمل على متنها ما تيسر لها حمله من إخوتها وأخواتها.. تتقدم مجدفة قبل أن يقوى السيل فيدفعها إلى الصخور فيتكسر جسدها بمن فيه ويغمرها الزبد المتعاظم فتطفو أشلاؤها وأشلاء من معها من غرقى الحروف، في مشهد يدمي القلوب". 

ولم يكن من السهل أن يترجم هذا النص إلى لغة أجنبية، مما جعل نسخته الفرنسية مثقلة بالهوامش والتوضيحات التي كان لا بد منها حتى تنجح لغتان في تقاسم سر واحد اسمه "متاهة اللا معنى". 

الوكالات

من نفس القسم الثقافي