الثقافي
فلسفة السياسة عند حنة آرندت
على الرفّ
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 21 جوان 2015
اعتبرت حنة آرندت نفسها، مفكرة حرّة لا تنتمي إلى دائرة الفلسفة، متجاوزة بذلك تقاليد التفكير كلها، مثقفة قادمة من اللا-مكان، غجرية الفكر، لا تقيم بالموضع عينه دائماً وتأبى الإلفة والموالفة هي غريبة، وغربتها هذه هي سرّ حريتها وجرأتها وربما أيضاً سرّ تأخر شهرتها والتعرف إلى فكرها، سرّ كل من يحاول أن يعرفها من خلال لقب واحد: فيلسوفة، منظرة، مفكرة، عالمة إجتماع، صحفية...
إن المنزلة المركبة التي يحتلها فكر آرندت في تاريخ الفلسفة الغربية الأوروبية المعاصرة، يجعل من تصنيف هذه المفكرة أمراً صعباً ومعتاصاً، فهي نادراً ما تدرّس في أقسام العلوم السياسية لاعتبارها فيلسوفة، كما أنها غابت مطوّلاً من مناهج الفلسفة السياسية باعتبارها منظّرة سياسية.
وما يهم في الأخير ليست الإجابة عن سؤال من تكون آرندت؟ وكيف يمكن تصنيفها؟ لأن حدود الفلسفي واللا-فلسفي قد اندثرت منذ أن تم قطع حبل الميراث ومساءلة الميتافيزقا الغربية نقداً أو تفكيكاً أو مجاوزة، تعتبر آرندت أكثر الوجوه المتفلسفة التي زاولت القطع من مشروع الميتافيزيقا الغربية الذي شاركت فيه من خلال محاولة نقد التراث الفلسفي، ولا سيما في علاقته بالسياسة، من خلال توضيح الحدود اللا-سياسية للفلسفة، ولهذا لا تهتم يوماً بتصنيف فكرها داخل هذه الحدود، فقد فضّلت لقب المنظرة السياسية، لتتجنب خاصة العودة لتقاليد الموروث التي عزلت الحدث عن الفلسفة.
ضمن هذه المقاربات تأتي هذه الدراسة التي تلتمس الباحثة من خلالها توضيح نقطة ترى أنها مناسبة لفهم موقف آرندت من الفلسفة وموقعها في الفلسفة؛ وفي هذا الإطار تسعى بهذه الدراسة إلى فهم ما إذا كان هذا الذي يصدر عن فكر آرندت هو حقاً، نظرية سياسية، كما حاولت آرندت أن تقنع بكل تواضع، أم أنها تضع قواعد لفلسفة سياسية جديدة؟.
وإلى هذا، فإن طموح الباحثة من خلال هذا المبحث هو "الفهم" وذلك على مستويين: فهم آرندت المفكرة السياسية، وفهم آرندت الإنسانية التي غيّرت حياتها الكثير من فكرها؛ بل شاركت الحياة والأحداث في بلورة مسار فكرها من خلال حصول جملة من التوترات والقطائع، وهذه مسألة أساسية من وجهة نظر تصور آرندت للفكر نفسه.
وفي الختام فإن الفصل الرابع الذي يأتي حول إمكانية فلسفة سياسية حقيقية، لتعقب الفحص عن مسلكي ترصد المصادر الفلسفية للسياسة ثم تبين أفاعيل التفكير عند آرندت: "ماذا تُحدث آرندت عندما تفكّر؟".
الوكالات