الثقافي

حكاية الشتاء.. الروائي بول أوستر في خريف العمر

على الرفّ

 

يستعيد الأميركي من أصل بولندي بول أوستر في روايته السيرية "حكاية الشتاء"، حياته الماضية، ومختلف المراحل التي مر بها منذ طفولته وحتى شيخوخته، وتأثير كل مرحلة عليه، وتفكيره أثناءها، والأحلام والأوهام التي كان يبحث عنها ويحاول تحقيقها في كل مرحلة، وكذلك الأمكنة الكثيرة التي عرج عليها وسكن بها، وما خلفته لديه من آثار لا تمحوها السنوات.

الشتاء الموصوف في رواية أوستر -التي نشرتها شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت بترجمة هالة سنو (2015)- يعكس الفصل الأخير من عمر الروائي المولود في نيوجيرسي عام 1947، وبخاصة أنه يرمز إلى الشيخوخة ونهاية دورة الفصول، بحيث تكتمل الدائرة، وتبدأ بعدها دورة جديدة، ويكون فصل جديد يبدأ بالربيع.

"حكاية الشتاء" لدى أوستر هي حكاية شتاء العمر، أو حكاية نضجه وحكمته، وفصول شتاته، وتمكنه من النظر إلى حياته بشيء من الحيادية، وكأنه يشاهد فيلما سينمائيا يسترجعه بأدق تفاصيله، أحيانا بالأبيض والأسود، وأحيانا بالألوان، تكون ذاكرة الرجل العجوز صورة روائية مستقاة من ماضيه وواقعه، ومن سيرته ونجاحاته وإخفاقاته، خيباته ونكساته، سواء في الحب أو العمل أو مختلف مناحي الحياة الأخرى.

"ذاكرة الرجل العجوز صورة روائية مستقاة من ماضيه وواقعه، ومن سيرته ونجاحاته وإخفاقاته، خيباته ونكساته، سواء في الحب أو العمل أو مختلف مناحي الحياة الأخرى".

ويتنقل بذاكرته بين عدة مدن، يذكرها بالترتيب، يرقمها ترقيما يوافق ارتحالاته، وتفوق تلك الأمكنة العشرات، وهي تعكس طبيعة الحياة القلقة والمتوترة التي عاشها، كما تعكس جوانب من نمط الحياة الأميركية التي كانت تسمها حالة من انعدام الأمان الوظيفي والمعيشي، في ظل غياب الضمان الاجتماعي، وفي استذكار لزيادة الفروقات بين الناس واختلاف الأمزجة بين جيل وآخر، وبين مدينة وأخرى.

يستهل أوستر بمخاطبة نفسه وقارئه معا، بقوله "تظن أنك في مأمن من هذه الأحداث، وأنها لن تنالك، وأنك الشخص الوحيد في هذا العالم الذي هو بمنأى عنها. لكن لا بد أن يحين وقت خيبة الظن، فتراها تصيبك كالآخرين تماما".

ويذكر أوستر أن جسد الإنسان موقع أحداث لفظه التاريخ، وأنه من جسده تبدأ الحكاية، حكاية شتائه، وكل شيء ينتهي مع جسده أيضا، بحيث إن جسد الطفل الغض لا يلبث أن يشتد عوده، ثم يبلغ مرحلة من القوة والفتوة، ويصل إلى ذروة ينحدر بعدها رويدا رويدا إلى عالم الوهن، يطاله التغيير مع كل تقدم في السن، ويرضخ لسطوة الزمن عليه، ويستجيب رغما عنه لتلك التغيرات التي تكمل دورتها وتوصله إلى نهايته.

الوكالات


من نفس القسم الثقافي