الثقافي

واسينى الأعرج: "سيرة المنتهى" وقوف بين حيرة ابن عربي وخوف دانتي

في استعراض لسيرته الروائية في ملتقى الرواية العربية

 

 

قدم الروائي واسينى الأعرج، شهادة روائية بعنوان "سيرة المنتهى.. الوقوف بين حيرة ابن عربى وخوف دانتى"، وذلك خلال الجلسة الأولى لبرنامج الشهادات فى ملتقى الرواية العربية، فى دورتها السادسة، والذي انعقد في المجلس الأعلى للثقافة، امس الاول.

وقال واسينى الأعرج بان رهاناته الكبيرة كانت فى هذه السيرة كمشروع كتابي، واضحة، لأن المعلومات الحياتية والذاكرة بكل ثقلها، لا تكفى، فهى تحتاج إلى سند فني حقيقى يحملها ويحتويها ويخلق جسرًا بينها وبين القارئ. فقد حاول العمل بكل جدية واحترام لذكاء القارئ، على كتابة نص لا يقطع علاقته بالأدب. فهي فى النهاية سيرة أديب وليست سيرة مناضل خاض حروبًا ومعارك انتصر فيها وغيَّر مجرى التاريخ، أو شخصية اجتماعية معروفة عملت بكل جهدها على تغيير المنظومات السائدة والظالمة، أو رجل مال اشتغل فى بنك معروف وهز بتجربته النظام المالى القديم والمتهالكK وأضاف واسينى الأعرج: "اخترت إعادة صياغة الجوهر فقط، فاتكأت على الأعمدة التكوينية بالمعنى العمرانى والثقافى، التى كان لها الدور الحاسم فى حياتى. ولم يكن الأمر سهلاً، إذ وضعنى كل عمود أمام سلسلة من المعضلات كان يجب حلها. العمود التاريخى الذى أنتمى إليه ليس سلاليًا، وهو قليل الأهمية لأنه وليد الصدفة ولا سلطان لى عليه، ولكن ثقافيًا، وهذا هو الأهم. الجد الروخو. سمح لى بالعودة إلى عصر مهم فى عذاباته ومآلاته بعد سقوط آخر معاقل المسلمين، غرناطة، وإعادة تركيب العائلة كما فى مرويات الجدة التى أومن أن بعض حكاياها أسطورى بلا أدنى شك، لم تصنعه هى، ولكن المسافة بين التاريخ الحقيقى، القرن السابع عشر، والقرن العشرين، لكن البعض الثانى من مروياتها لا يقل تاريخية. ربطت حكيها مع المادة التاريخية الأندلسية التى تمكَّنت من اختبارها بسهولة وأنا أبحث على مدار الثلاثين سنة الأخيرة عن تاريخ أجدادى الموريسكيين. وقد وجدت إجابات مهمة لأسئلة معقدة. وأوضح واسينى الأعرج أن كل هذا شكَّل الأرضية الأولى للسيرة. فهو لا يفهم شدة ارتباطه بهذا التاريخ من دون الرجوع إلى هذه المرويات التى أصبحت جزءًا حيويًا من السيرة، خارج الحقيقة وضدها أيضًا. أما العمود الحكائى فقد ارتبط عضويًا بشخصية حنّا فاطنة، أو الجدة. فهى معلمه الأول فى العمل السردى، مضيفا بانه ثمرة عمود الوفاء وقوة الصمود، الذى ارتكز عليه فى السيرة، هو أمه. ميما ميزار التى منحتنى كل شيء. استشهد الوالد وهى فى عز شبابها ولم تفكر فى شىء آخر سوى تنفيذ وصيته: علمى الأولاد. هذا طلبى الأوحد. الباقى أنت حرة فى حياتك. من آلامها وتمزقاتها. عرفتُ من خلال أوجاعها كيف يبنى الإنسان فرحًا من لا شىء أحيانًا. تعلمت منها المقاومة بتواضع وبلا ضجيج، فى الأوضاع الأكثر يأسًا. أكثر من هذا كله، أفضالها لا تحصى فى بنائى الداخلى، اما العمود الرابع الذي انبنت عليه هذه السيرة، ارتبط بأول حب بل بأول تجربة حسية وعاطفية مع مينا، أو آمنة. هذا الجزء الذي مس حياتى العاطفية الأولى لأن الإنسان لا يخلق من عدم، فهو يتكون ليس فقط ثقافيًا ولكن عاطفيًا أيضًا. هذه الحياة الجميلة والقاسية نشأت على مأساوية كبيرة لا يمكن فهم تجلياتها فى بعض أعمالى، إلا بالعودة إلى هذا العنصر الأصلى. وتابع واسينى الأعرج كثيرًا ما سئلت لماذا تموت أو تُقتل بطلاتى فى النهاية. لم أنتبه لهذه الحالة إلا لاحقًا، عندما توغلت عميقًا فى السيرة. من أوجاع رجل، حتى أصابع لوليتا، تشذ عن القاعدة روايات محدودة منها مملكة الفراشة، كل الشخصيات النسوية تنطفئ فيها تحت ماكينة الظلم القاسية. هناك لحظة تثبت حقيقة يمكن لعلم نفس الأعماق الفردى أن يفسرها بشكل أكثر إقناعًا. لا يتعلق الأمر بالعاطفة فقط ولكن أيضًا بالأدب، مشيرا في نفس السياق انه كان على أن أجد حاضنة لهذه الأعمدة داخل السيرة، لكتابتها بشكل غير منفِّر يقود الذات إلى الاستراحة لأوهامها، والتعملق الفارغ، كما تعودنا فى السير الذاتية وأيضًا يضع الإجناس الضاغط فى حالة إحراج لتحرير الكتابة عن الذات. أبطالى الذين شكَّلوا أعمدة السيرة كلهم ماتوا اليوم، آخرهم ميما أميزار، وكان على أن أجد الوسيلة الأدبية والثقافية وحتى الميثولوجية التى توصلنى بهم لكى يصبح فعل الكتابة مستساغًا ومقبولاً أدبيًا. وأوضح واسينى الأعرج: وجدت فى عملية الانتقال من الأرض إلى السماء بالوسيط المعراجى وسيلتى الأدبية الحيوية التى تجعل من اللقاء بالأموات ومحادثتهم أمرًا ممكنًا، بل عاديًا، لأنه مبرر فى ثقافتنا. اخترت المعراج لأرحل نحوهم محملاً بشطط عصرى وانشغالاتى، كما اختاره أبو العلاء المعرى لتبرير ذوقه وخياراته الشعرية، والشيخ الأكبر ابن عربى لتوصيف داخله المتحوِّل وكشفه عن المستور، ودانتى فى بحثه عن الجوهر الوجودى من خلال قصيدة تقاسمتها العناوين المحطات الثلاث: جهنم، البرزخ، والجنة، حيث يقص الشاعر رحلته داخل هذه العوالم السحرية ورؤيته للقرون الوسطى المحكومة بعنف الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. ثقافة الغيب بالمعنى الأنثروبولوجى، هى جزء من الثقافة الميثولوجية النائمة فى أعماق كل واحد منا، والتى كسرتها خطية الأديان لأنها أضفت عليها طابع القداسة. استفدت منها كثيرًا فى هذه السيرة لخلق مساحات من التخييل الثقافى تحوَّلت إلى حاضنة أدبية حقيقية لهذا السرد السيرى. وختم واسينى الأعرج شهادته قائلاً: السيرة ليست تنضيد معلومات فردية ولكنه فعل جمالى أيضًا وإلا ما الفرق بينها وبين التاريخ؟

ل.ع/وكالات

من نفس القسم الثقافي