الثقافي

تفاصيل معتقل "عين أسرار" بمدينة الجلفة في رواية "سييرا دي مويرتي"

الروائي عبد الوهاب عيساوي في رواية جديدة

 

صدرت رواية "سييرا دي مويرتي" مؤخرا، للروائي عبد الوهاب عيساوي، عن الرابطة الولائية للفكر والإبداع بالوادي، وهي الرواية التي جاء بها الكاتب ليكشف تفاصيل معتقل "عين أسرار" بمدينة الجلفة الذي أودع فيه عدد كبير من الشيوعيين في الثلاثينيات من القرن الماضي.

وتقتحم الرواية عالم المعتقلين الأجانب في سجون فرنسا الاستعمارية بالجزائر، حيث يسرد الكاتب سيرة شخصيته الافتراضية مانويل الذي يجد نفسه معتقلا بعين اسرار، وهو المعتقل الذي شهد عبور الشاعر الكبير ماكس أوب والمفكر الفرنسي روجيه غارودي وغيرهما في المنتصف الأول من القرن العشرين- رفقة مناضلين شيوعيين اسبان وفرنسيين وبولنديين ومن جنسيات اخرى، ويقدم الروائي نصه مستدعيا شخصيات متعددة الجنسيات والديانات من عرب، اسبان، فرنسيون، مسلمون، يهود، أناركيون وملحدون، لتكون شاهده على حقبة غلب عليها التاريخ الاستعماري وأغفلت معاناة أطراف أخرى على غرار الشيوعيين الاسبان عشية سقوط اسبانيا في يد فرانكو وهزيمة الجمهوريين في الحرب الأهلية الاسبانية، ويعتبر الاسبانيان بابلو ومانويل الشخصيتان الرئيسيتان في القسم الأول للرواية، الذان يجرفان الثلج عن السكة الحديدية بالجلفة بينما يتذكران برشلونة التي سقطت قبل ثلاث سنوات لتبدأ الرواية في جلب انتباه القارئ عبر حوارهما وسرعان ما يظهرمانويل كبطل وسارد رئيسي يحمل معه "سيرا دي مويرتي" وهو مكان افتراضي ايضا أوجده الكاتب، وضمن مسارنمو الشخصيات يظهر أحمد الصبائحي ظهورا خافتا في حين يبرز الأسير اليهودي البولندي كورسكي المأخوذ بالسلوك الديني للمسلمين والذي يعتبر أن "الله أقرب إلى البشر هناك"، ويبدو أن أبطال الرواية مصابون جميعا بالإحباط والخيبة والسبب ليس فقط فشلهم في اسبانيا، بل هو خذلان فرنسا لهم فبعد أن وعدتهم بالمساعدة للعودة إلى إسبانيا ها هي تنقلهم أسرى إلى معتقل إفريقي فهم يرددون "لقد جيء بنا لنموت هنا"، وتنقل الرواية مشاهد رحلة الاسرى من معتقل "فاني دارياج" (Venet d'Ariège) بالجنوب الفرنسي إلى معتقل "عين أسرار" بالجزائر، بينما تبقى سييرا دي مويرتي عالقة في ذاكرة الرواي مانويل الذي يتذكرها في كل مرة، ويصف عيساوي باجتهاد واقع المعتقلين وعلاقاتهم مع السكان الأصليين والممارسات التي اشتركوا فيها كالتجارة وتهريب المساجين في جولات بالمدينة، لكنه يصف أيضا الحالة النفسية والأحلام والرؤى التي تحوم أعلى المعتقل، كما لا تخلو رواية عيساوي الثانية من الحب فمانويل يتلقى رسائل زوجته الحبيبة ويأمل أن يغادر المعتقل رغم أنه يبقى أخيرا وينقل خبر اختفاء بابلو بعد فقدان الاتصال بحبيبته الفرنسية، هناك وجه آخر للاستغلال يبرزه مدير المعتقل المدعو كابوش الذي يحصل على مداخيل مقابل الأعمال الشاقة التي يقوم بها معتقلوه، بينما يسلط عليهم ضابطه المطيع عديم الرحمة غرافال ليحافظ على الانضباط، ويعلو السؤال الفلسفي والوجودي ذروة الرواية ببروز خيار الكاتب الذي يضع اليهودي كورسكي في مواجهة غير صريحة مع بطله الرئيسي مانويل الملحد، إلى أن يحرر كورسكي وأغلب من وفد معه بينما يبقى مانويل يتساءل عن "مدى قدرة مدينة صغيرة على احتمال ثلاث ديانات" وكأن العالم غيرمعني به، في النهاية يستعيد الصبائحي أحمد مكانة ضمن رواية عيساوي عندما يرفض تنفيذ إعدام جماعي ضد المعتقلين الثائرين على وضعهم، ويتحدى الضابط غرافال قائلا :"لسنا نحن الذين نرفع السلاح في وجه الأسير"، نجح عيساوي في تبريد السرد في كل مرة من خلال حوارات أو مونولوغات مانويل وضمنه بذكاء معالم الحياة في مدينة المعتقل، كما استطاع أن يصغي لخصوصية أبطاله وحالاتهم، ويمكن اعتبار مغامرة الروائي عبد الوهاب عيساوي نموذجا مميزا مقارنة مع الثيمات التي يطرقها ابناء جيله، فهي رواية تاريخية تخييلية مليئة بالاسئلة السياسية والوجودية، ورغم وجود شخصيات وأحداث حقيقية إلا أن الشخصيات الرئيسية وعلى رأسها مانويل والحكاية كلها متخيلة، ويعتبر الكاتب أحد الروائيين الجدد الذين سجلوا حضورا في السنوات الأخيرة، خاصة من خلال روايته الأولى "سينما جاكوب" التي حازت جائزة علي معاشي 2012، كما سبق وأن توج بجائزة القصة القصيرة بمهرجان أدب الشباب، وتوج منذ ايام نص "سييرا دي مويرتي" بجائزة الرواية القصيرة بوادي سوف لهذه السنة وهي جائزة دأبت الرابطة الولائية للفكر والإبداع بالوادي على تنظيمها سنويا.

ل.ع/وكالات


من نفس القسم الثقافي