الثقافي

الأنظمة الدكتاتورية تقهر شعوبها

اليوم الرابع من مهرجان الجزائر الدولي للسينما

 

 

شهد اليوم الرابع من مهرجان الجزائر الدولي للسينما في طبعته الخامسة، عرض ثلاثة افلام تنقسم بين روائي وطويلة حيث كان الجمهور على موعد مع الفيلم الروائي الطويل " الاخومات كويسبي" للمخرج الشيلي سيباستيان سيبولفيدا، ولكن قبله تم عرض فيلمين وثائقيين هما " اختبار دولة" و" برادوك أمريكا" 

 

"الاخوات كويسبي":  مأساة نتاج حاكم ظالم 

إحدى القصص المأساوية التي عاشتها الشيلي سنة 1974 بعد الانقلاب الذي قام به الجنرال بينوتشيه المدعوم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية على الرئيس سلفادور ألليندي، الذي أدخل الشيلي في دوامة الظلم والتبعية.

” الأخوات كويسبي ” فيلم طويل يروي قصة ثلاثة شقيقات يعشن حياة بسيطة في إحدى الجبال شمال الشيلي بعيدا عن كل الأحداث والمشاكل السياسية التي تمر بها بلادهن لا هم لهن سوى رعاية الغنم والعيش بسلام.

بعد استيلاء الجنرال أوغستو بينوشيه على السلطة في سبتمبر 1973، تغيرت حياة الشيليين رأسا على عقب ومنهن الشقيقات الثلاث جوستا، لوسيا، ولوسيانا، اللواتي كنّ يعشن حياة متواضعة جدا يرعين الغنم في جبال صعبة التضاريس، ولكن حياتن تتغير حينما يسمعن خبر فرض قانون جديد يحظر الرعي بحجة الحفاظ على سلامة التربة، هذا القرار يشكل عواقب وخيمة لمربي الغنم، لأنّ تربية المواشي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد.

تبعات هذا القانون أدخل الأخوات كويسبي في دوامة وجعلهن يطرحن الكثير من الأسئلة حول مصيرهن، كما أن هذا السير الدرامي المأساوي وسط مشاهد الأرض القاحلة والجافة، زادت من معاناتهن وآلامهن.

المخرج سيباستيان سيبولفيدا عالج عديد القضايا المحملة بأسئلة عدّة بقيت بدون إجابات، ما يفتح الباب حول الجدوى من إثارة كل هذه الإشكاليات التي اتخذها تحدّيا له، في وقت لم ينجح دائما في العثور على ردود كافية لهذه المعضلة.

القصة التي تناولها سيبولفيدا في أول فيلم طويل له، تحيلنا إلى الالتزام في السينما الذي عادة ما يتكرر في القصص الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالإنسان قبل كل شيء، الأمر الذي يدفعنا إلى البحث والنظر في مسألة المتورطين في المأساة التي عاشتها الشعوب والمصير الذي يلقاه الضحايا مثلما حدث للأخوات كويسبي.

 

وثائقي “إختبار الدولة”:  صورة التحدي لإكمال المسيرة

يرصد المخرج الكونغولي حمادي ديو مراحل ومعاناة نجاح طلبة الثانوي في “امتحان الدولة” بمدينة كيسانغاني بجمهورية الكونغو، ليبرز هدف هذه الشريحة التي تحلم بمستقبل أفضل، رغم الظروف التي تقاسيها، فشكل الفقر والقانون حائلا لطموحاتهم.

قصة وثائقي “اختبار الدولة” للمخرج حمادي ديدو، تبدأ بالعدّ التنازلي للاختبار النهائي المؤهل للحياة المهنية والعلمية، والطلبة في حيرة من أمرهم، ذلك لعدم قدرتهم على دفع الرسوم المدرسية لكلّ فصل، فضلا عن الضغوطات التي يتعرضون لها من طرف مديري التربية، والتي تلزمهم بدفع حقوق التمدرس أو الطرد النهائي. وهو ما تم تسجيله واستبعد بعضهم.

وسلطّ المخرج طوال 92 دقيقة، بأسلوب مباشر عبر كاميرته الضوء على شبح الخوف الذي يطارد البقية، صورّ ريبهم وأملهم في آن واحد، ليدخل إلى قلب الأحداث ويكشف مساومات النجاح الاجتماعي لمجموعة من الطلبة الثانويين الكونغوليين يقصدون العاصمة كينشاسا لإجراء “اختبار الدولة” المعادل لشهادة البكالوريا، حيث رصد مراحل تحضيراتهم لها، سواء حينما كانوا بمقاعد الدراسة أو لمّا اختاروا استئجار بيت متواضع جدا، يقع بعيدا عن مدينتهم من أجل التحضير فيه دون معلّم، لسبب بسيط لأنّهم تعرضوا للطرد ولم يدفعوا منحة الأساتذة. لكن المرحلة الصعبة بدأت حينما اجتمعوا لمراجعة الدروس وسط الفوضى التي تعمّ الشارع والبيت المستأجر. إضافة إلى رغبتهم في الدراسة، يستغل بعضهم وقت فراغه لكسب المال لتسديد مستحقات التسجيل في الامتحان.

“إختبار الدولة” يفتح باب المستقبل أو يغلقه، هذا ما جاء على ألسنة الطلبة، الذين يمثلّون عينّة بالنسبة لمئات الشباب الكونغوليين المهمشين والمساومين في حياتهم ومستقبلهم، ما يعكس بأنّ أفق أغلبهم يتسم بالغموض في ظلّ عجز الدولة على التكفل بهم، إضافة إلى النظام المدرسي “الضعيف”، الذي يختزل صورة مصغرّة لمجتمع يسوده الفساد.

وفضلّ المخرج حمادي ديودو أن يختم بصورة مؤثرة، تحمل الفرح رغم رسوب بعض الطلبة، لا لشيء سوى ليوضح بأنّه يولد من رحم الصمود الأمل وتفتح أبواب المستقبل.

 

“برادوك أمريكا”:  معاناة الشريحة العمالية 

يقتفي الفيلم الوثائقي “برادوك أمريكا” اثر المدينة التي كانت قطبا للصناعة الثقيلة بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم أضحت الحياة فيها شبه مستحيلة بعد إغلاق المناجم والمصانع الأمر الذي أدى إلى انتشار بطالة رهيبة وسط سكان المدينة وأكثرهم من رحلوا إلى مدن أخرى بحثا عن حياة كريمة.

وفي مدة 101 دقيقة، تجول الوثائقي بين زوايا وشوارع برادوك، واستقت من أهلها شهادات تروي حجم المعاناة التي عاشوها لما تم تسريح عمال المصانع والمناجم وأصبحوا فقراء في أكبر دولة في العالم، ذلك بسبب أطماع أصحاب المال ولوبيات الرأسمال في العالم، واعتمدت المخرجتان على مادة أرشيفية تبين ما آلت إليه المدينة من فقدان للأمل وسط سكانها الأصليين الذين يفتخرون بتاريخ مدينتهم، ورغم ذلك هناك محاولات لبعث أمل جديد. تقــع مدينــة بــرادوك شــمال شــرق الولايــات المتحــدة الأمريكية، كانــت فــي وقــت سابق مــن أهــم أقطــاب صناعــة الصلــب، لكنها اليوم تعيش واقعا مغايرا تماما، ويقوم عدد من أهلها يوميا بعمــل تضامنــي لإعادة الأمل ورســم مســتقبل واعد. والفيلــم الوثائقــي قصــة مأسوية تروي حيـاة مدينـة أمريكيـة تشـبه العديـد مـن المـدن الأخـرى التـي نجــت مثلهــا مــن تاريــخ واحــد، تاريــخ الغــرب الغــارق فــي التصنيــع، ومـع ذلـك لا يــزال هنــاك بشــر يعيشــون. ويمزج العمل في نسج رفيع بين الأرشيف وشهادات الســكان الحالييــن للمدينــة، ويقترب من قصصهم المؤثرة ينتمون إلى حقبــة ماضيــة متحــدون فــي إرادتهــم لإنجاز مشـاريع من شأنها أن تعيد البريق للمدينة التاريخية.

 

المخرجة الفرنسية غابرييالا كيسلر:  

الفيلم هو عرفان لمجد الصناعة بأمريكا التتي تتهاوى حاليا

قالت المخرجة الفرنسية غابرييالا كيسلر ان الفيلم الذي قامت بإخراجه ليس اقتصاديا أو سياسيا، بل هو فيلم بسيط يروي حياة سكان مدينة برادوك اليومية، وكيف أصبحت المدينة القطب إلى مدينة تتهاوى بسبب تفشي البطالة بشكل مخيف، الأمر الذي جعل العديد من سكانها يهربون إلى مدن أمريكية أخرى، وأضافت أنه تم بناء مركز تجاري ضخم على أنقاض مصنع كبير، واليوم يتم تحبيذ السلعة الصينية الرخيصة على السلعة الأمريكية بسبب فارق السعر ولم تعد الجودة مهمة.

وفي السياق نفسه اضافت المخرجة أن الفيلم هو عرفان لمجد الصناعة بأمريكا التي شكلت عصبا حيويا في إزدهار هذه الدولة، ولكنها اليوم تشهد مصيرا مغايرا.

وعن صدى الفيلم في امريكا بعد عرضه قالت بأنه عرض مرة واحدة، وحاليا تبحث عن موزع ليتم عرضه في أكبر عدد ممكن من قاعات السينما في العالم، وأضافت بان عرضه بالجزائر، هو الثالث بعد فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. 

 

فيصل شيباني 

من نفس القسم الثقافي