الثقافي

"التجربة المسرحية الجزائرية في المهجر" محاضرة بالمركز الثقافي إيستوريا

قدمها الأستاذ بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري حبيب بوخليفة

 

أكد الأستاذ بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، الناقد والمخرج المسرحي الدكتور حبيب بوخليفة، خلال مداخلة عنوانها " الحركة المسرحية بالمهجر" نشطها عشية اول امس بالمركز الثقافي إيستوريا في إطار البرنامج الخاص باليوم الوطني للهجرة المنظم من قبل بلدية الجزائر الوسطى بالتنسيق مع جمعية "نوافذ ثقافية"، انه"من رغم ندرة المراجع لهذه الإشكالية إلا أننا تمكنا من دراسة الفن المسرحي وسط الهجرة الجزائرية بفرنسا باعتمادنا لبعض الشواهد والمقالات الصحفية حيث استقينا معلومات موضوعية حول مسار التجربة المسرحية الجزائرية في المهجر خصوصا بفرنسا".

وكشف بوخليفة أن الباحثين لم يتطرقوا إلى الموضوع بحكم تعقيد اشكاليته الخاصة والظروف التي نشا فيها وهنا اذكر أساسا بعض الأبحاث الجد مهمة الذي قام بها الباحث الدكتور احمد شنيقي أستاذ التعليم العالي بجامعة عنابة وأستاذ مشارك في بعض الجامعات الفرنسية والأوروبية وهو بصدد نشر كتاب حول المسرح الجزائري في الغربة، فالظروف التاريخية التي سمحت لبعض الجزائريين أن يمارسوا المسرح في فرنسا وسمحت لبعض الجزائريين أن يقوموا بعملية الاستعارة لتطوير الفن المسرحي الجزائري بمفهومه الأرسطي كانت بالمهجر نذكر على سبيل المثال اكتشف الفن المسرحي في فرنسا وبعدها محي الدين بشطارزي في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، نذكر كذلك المرحوم محمد بودية الذي استضافه مسرح "ليزامودييه".

 ولكن هذا النشاط لم يكن يخص صفة المهاجر بالمفهوم الطبقي والذي تكون فيما بعد اثر الهجرة الكثيفة التي خصت اليد العاملة لأهميتها البالغة في بناء الاقتصاد الفرنسي"

وأفاد المتدخل أن "التجربة المسرحية ولدت في المهجر في مطلع السبعينيات من القرن الماضي في أحضان ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة ومعقدة في مجتمع فرنسي لم يتجاوز النظرة الاستعمارية والعنصرية للمهاجر العربي على العموم والجزائري خصوصا" مشيرا إلى أن " عدد المهاجرين الجزائريين في سبعينيات كان يتجاوز عدد المهاجرين من الجنسيات الأخرى بحكم الظروف التاريخية الاستعمارية.

تلخصت أساسا في تحديد إبداع مسرحي هاوي خاص بهذه الفئة، فهو يختلف في تركيب نسيجه الثقافي والحضاري على ما كان يدور في الفضاءات المسرحية الأخرى سواء كانت هاوية أو محترفة".

واعتبر الدكتور حبيب بوخليفة أن المسرح في المهجر " تميز بخطاب مباشر فيما يخص هموم والمشاكل المختلفة التي كانت تخترق إنسانية هذه الفئة الخاصة وكأنها جسد غريب يختلف كل الاختلاف عن باقي مكونات المجتمع الفرنسي. فقبل هذه الفترة لم تكن الجالية المهاجرة ظاهرة إلا بعد الأزمة الاقتصادية المرتبطة بالصدمة الطقاوية النفطية في بداية السبعينيات من القرن الماضي. فبدأت أساليب المراقبة والتحكم في تشديد الخناق على حركة الهجرة إلى فرنسا وبذلك تغيرت مواقف ورؤى الساسة من اليسار إلى اليمين والمواطنين الفرنسيين إلى العمال المهاجرين خصوصا الجزائريين فأصبح المهجر بالنسبة إليهم سببا رئيسيا في ظاهرة البطالة والأزمة الاقتصادية التي بدأت تخيف الفرنسيين". مضيفا "انتقل المهاجر من الصورة الايجابية في بناء الاقتصاد الفرنسي إلى سلبي غير مرغوب فيه. لابد أن يعود من حيث أتى. تشكلت في الوعي الجمعي الفرنسي العلاقة بين البطالة والهجرة. لقد ساهم جزء كبير من السياسيين والسلطات العمومية في إثراء هذا الرأي والتحريض أحيانا في طرد المهجر خصوصا العربي أو المغاربي ولم تنفع العلاقة التاريخية الاستعمارية في حد من هذه المواقف السلبية إزاء المهاجر. فالصراعات المتعددة التي كان يعيشها المهاجرون في المؤسسات الاقتصادية والنضال ضد البيوت القصديرية وتحسين ظروف المعيشة في ضواحي المدن الكبرى الفرنسية أدت إلى بروز هذه الفئة بقوة وفي نفس الوقت انسلخت عن المجتمع الفرنسي بحكم ارتباطها الوثيق مع أصول هويتها الثقافية والحضارية".

وأشار المتحدث بأنه "في ظل هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية المضطربة قام كاتب ياسين وفرقته بجولة فنية بمسرحيته المعروفة "محمد خذ حقيبتك" في 1972 والجدير بالذكر أن قبل هذه الفترة لم تكن هناك فضاءات فنية مسرحية للجالية العربية عموما والجزائرية خصوصا" مبرزا "إنها البداية الفعلية للتعبير الفني في مستنقع الهجرة في فرنسا فهي الرغبة الجامحة عن التعبير الوجود الإنساني للمهاجر.

 لقد اختار كاتب ياسين شكلا يناسب موضوع الهجرة.إن المسرحية المأسوية "محمد خذ حقيبتك" التي أبدع فيها الأديب والشاعر الراحل الكبير كاتب يسين واقع المهاجرين الجزائريين بفرنسا أن عبقرية الأديب والمفكر الراحل قد جسدت ملحمة الصراع بين الفرنسي العنصري والمهاجر المحتقر والتمسك بعقيدة النضال من اجل الحرية والتخلص من قيود الذل والكراهية والاستبداد والاستغلال".

وبخصوص مسرحية "محمد خذ حقيبتك" أوضح المتدخل "أن كاتب ياسين تطرق في هذه المسرحية إلى أسباب الهجرة من الجزائر إلى فرنسا مباشرة بعد الاستقلال كحزن المرأة الجزائرية الحرة على زوجها وابنها عندما يهاجران إلى فرنسا هروبا من الفقر المدقع الذي عرفته البلاد بعد الاستقلال. تصرف كاتب بأسلوب هزلي أحيانا وغنائي أحيانا أخرى في شكل شعبي يتقبله المتفرج البسيط العامل والفلاح والحرفي،بتوظيف اللغات الثلاثة التي تكون النطق الجزائري الامازيغي والدارجي العام والفرنسي".

وأفاد حبيب بوخليفة "كان كاتب ياسين من حيث قناعته اليسارية متأكد أن الاستعمار قد يأخذ أشكالا جديدة للاستغلال فالمقاومة لم تنته بعد. فمحمد زيتون الشخصية الرئيسية في المسرحية الذي كان مجبرا على الهجرة بعد الاستقلال بعيدا عن زوجته عائشة الذي بقيت في الوطن، يمثل كل المهاجرين بهمومه وألامه وبؤسه. فالجولة نظمها ديديه امير الذي كان يشترك بمواقفه اليسارية كاتب ياسين، من الصعوبات المالية والحواجز الإدارية المختلفة. فالعرض المسرحي حافظ عن نصر الهوية الثقافية الجزائرية من رغم إنسانية الإشكالية المطروحة:استغلال واذلال الإنسان. فبفضل الشبكة الاجتماعية من الجمعيات التي تتحرك في فضاء اليسار المقاوم استطعت المسرحية أن تعيد جولتها في 1976 وتجوب تقريبا كل التراب الفرنسي في المصانع والنوادي الثقافية والمسارح الخاصة وديار الثقافة والمراكز الثقافية".

وفي تطرقه إلى العشرية بعد 1970 ابرز المتدخل أنها "تميزت بانتشار هذه التجارب المسرحية وتنظيم اللقاءات والمهرجانات الخاصة بمسرح الهجرة فهي أساسا منبرا حرا يعبر عن ظروف المعيشة وهموم المهاجر. واستمرت الحركة المسرحية في المهجر في الثمانينيات حيث تأسست الكثير من الفرق سواء كانت مختلطة وتخص المهاجرين فقط. موسى البيكيري الذي أسس فرقة "نجمة" وقدم الكثير من العروض المسرحية منها "سارق الحافلة" وفطيمة قالير التي تميزت بنصوص مسرحية محترفة وراقية من حيث المستوى الفني مثل مسرحية "الزوجتين المشتركتين" أو "الملكات" نصوص عبد القادر علولة "الثلاثية" التي أخرجها المخرج الفرنسي قوي قومبريلنق ونذكر كذلك الكاتب المسرحي نور الدين عبا بمسرحية "استراحة المهرجين"".

وعرج حبيب بوخليفة على فترة التسعينات ليوضح " وفي التسعينيات من القرن الماضي تغير وضع المهاجرين الجدد الذين دفعتهم العشرية السوداء إلى المهجر ونذكر سيد احمد اقومي في فرقة "القلعة"و سليمان بن عيسى فلاق" مضيفا "انتقلت الاهتمامات من الوعاء الإيديولوجي العمالي اليساري إلى التعبير عن الوضع الجهنمي الذي عاشه المجتمع الجزائري في بداية التسعينيات اثر الإرهاب الذي كان قد تجاوز حدود الخطر وكاد أن يعصف بمبادئ أسس الجمهورية الجزائرية والرغبة في تأسيس مجتمع مظلم الآفاق بخصائص شبه دينية ليس لها علاقة بدينينا الحنيف".

وختم حبيب بوخليفة مداخلته بالقول "يمكن القول إن الجيل الثالث من المهاجرين أصبح أكثر اندماجا في المجتمع الفرنسي بفضل التغيير التدريجي للعقلية الفرنسية إزاء المهاجر. فأصبحت الفاضاءات الفنية المسرحية العمومية تستضيف أحيانا الابدعات الفنية الجزائرية سواء المحلية أو الآتية من الوطن الأصل في ظل التبادلات الثقافية التي فرضتها ظروف سياسية موضوعية بين الجزائر وفرنسا وتفتح المجتمع الجزائري في تغيير نسق نظامه السياسي الاجتماعي.

فالإنتاج المسرحي الذي خص المهاجرين كان يعتمد على بساطة التركيب وتوظيف الوسائل المادية اقل تكلفة. لأنه لم يتلقى الإعانات المالية من طرف السلطات العمومية وإنما اعتمد على الشبكة الاجتماعية من الأحزاب والجمعيات اليسارية التي كانت تشترك في مواقفها مع مواقف الكثير من الفنانين الجزائريين المهاجرين".

يشار إلى أن الدكتور حبيب بوخليفة قد تم تكريمه صباح امس رفقة الأسرة الثورية التابعة لقسمة المجاهدين لبلدية الجزائر الوسطى حيث اختتم البرنامج الخاص عشية نفس اليوم بعرض ل5 أشرطة قصيرة تم انجازها في إطار البرنامج الكندي "جزائر حبي".

وكالات


من نفس القسم الثقافي