الثقافي

باتريك موديانو يفوز بـ"نوبل" للآداب

روائي الذاكرة الفرنسية المجروحة

 

 

تمكن الروائي الفرنسي باتريك موديانو اول امس، من افتكاك جائزة نوبل للآداب في دورتها 15 ليكون بذلك الفائز الخامس عشر الذي يكرم بها من طرف الاكاديمية السويدية. وقالت الأكاديمية السويدية في بيان لها إن موديانو كُرِّم بفضل "فن الذاكرة الذي عالج من خلاله المصائر الإنسانية الأكثر عصيانا على الفهم، وكشف عالم الاحتلال"، وتمحورت أعمال موديانو على باريس خلال الحرب العالمية الثانية، مع وصف تداعيات أحداث مأسوية على مصائر أشخاص عاديين، وكشف الأمين الدائم للأكاديمية السويدية، بيتر إنغلوند، لمحطة التلفزيون الرسمية في السويد "أس في تي"، أنه تعذر الاتصال بصاحب اللقب قبل الإعلان عن فوزه بالجائزة، وفي عام 2013، مُنحت جائزة نوبل للآداب للروائية الكندية أليس مونرو، ويسند مبلغ قدره ثمانية ملايين كرونة سويدية 1. 1 مليون دولار للفائز بهذه الجائزة، وجائزة نوبل للآداب هي رابع جوائز نوبل التي يتم منحها كل عام، والتي تشمل جوائز عن الإنجازات في مجالات العلوم والآداب والسلام، وقد منحت أول مرة عام 1901 وفقا لوصية مخترع الديناميت ألفريد نوبل، ويعتبر باتريك موديانو روائي كبير حقاً، في التاسعة والستين من عمره، عالمه أقرب إلى ان يكون نسج الذات المألومة والخيال الظليل، عماده البحث المستمر عن سيرتين: سيرة شخصية شبه قاتمة، لا تخلو من الاضطراب لا سيما في الطفولة والمراهقة، وسيرة أخرى للمكان الذي هو باريس، باريس الستينات تحديداً، المكفهرة سياسياً وأمنياً. وقد وسم طيف والده، الغامض والمطارد وشبه المجهول، سيرته وشخصيته في آن. فهو نادراً ما رآه وجلس معه، ولم تكن لقاءاتهما الا خطفاً في مقاهٍ ومحطات قطار. كان والده مشتبهاً به في قضية اضطهاد اليهود في فترة الاحتلال النازي، وكان عليه جرّاء هذه التهمة ان يعيش في حال من الاختفاء والهروب المستمر. في السابعة عشرة قرر باتريك الفتى قطع علاقته بأبيه نهائياً بعد لقاء غريب به كان مفعماً بالقسوة والألم. ولم تمضِ بضعة اعوام حتى تناهى اليه نبأ رحيل ابيه في طريقة غامضة ولم يعلم بتاتاً أين دُفن. وغياب الاب كان يعني غياب الام، لكنّ عزاءه الوحيد كان في ملازمته الدائمة لشقيقه الذي لم يلبث ان مات في العاشرة من عمره، هذه الملامح المأسوية صنعت قدر باتريك موديانو، إنساناً وكاتباً. وعطفاً على هاجس البحث عن الهوية برز في رواياته وفي طبائع شخصياته هاجس السعي إلى فهم العالم بفوضاه وعنفه وحركاته المتقلبة، وكان غالباً ما يصطدم هذا السعي بجدار العجز عن الفهم والاستيعاب. وهذا ما جعل الراوي لديه اشبه بمراقب قلق، مفتوح العينين يبحث عن أجوبة للاسئلة التي تطرحها الاحداث والوقائع الملتبسة غالباً، وكان هذا الراوي يؤدي في احيان دور المؤرخ والمحقق والمنقب. وليس مستغرباً ان تنتمي شخصيات موديانو، جوّاب الاماكن والساحات، التاريخية والحاضرة، إلى عالم المفقودين والهاربين والمتوارين والمنسيين الذين فقدوا هويتهم. 

قال موديانو مرة: «الحياة عبارة عن باقة من الصور القديمة في صندوق الذاكرة». ولم يكن عليه إلا ان ينبش هذه الصور ليعاود تركيبها في مشروع عبثي يهدف إلى معاودة رسم الحياة، ويذكر ان باتريك موديانو كتب أكثر من ثلاثين رواية، ونالت «شارع المتاجر المعتمة» جائزة غونكور عام 1978 ومنح عام 1996 جائزة الاكاديمية الفرنسية تكريماً لمساره الروائي. تُرجمت روايات له إلى لغات عدة ومنها العربية، وأول رواية له بالعربية ترجمتها الصحافية اللبنانية رنا حايك واصدرتها دار ميريت في القاهرة عام 2006. ثم تلتها عام 2008 رواية «مقهى الشباب الضائع» التي اختارتها الملحقية الثقافية السعودية في باريس ضمن لائحتها وترجمها الكاتب المغربي محمد المزديوي وصدرت عن الدار العربية للعلوم - ناشرون، وتلتها «شارع الحوانيت المعتمة» التي نشرتها دار الهلال المصرية عام 2009 بترجمة عبدالمنعم جلال ثم رواية «الافق» التي ترجمها توفيق سخان وصدرت في 2010 عن منشورات ضفاف-بيروت والاختلاف-الجزائر. غير ان تبعثر هذه الترجمات لم يوفر للكاتب الفرنسي حضوراً قوياً في المكتبة العربية، فلم يُقرأ ولم يكتب عنه ويرحب به مثلما يستحق. 

ليلى. ع

من نفس القسم الثقافي