الثقافي
رواية كمائن العتمة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 27 سبتمبر 2014
تنفتح رواية "كمائن العتمة" لفاطمة المزروعي على فتاة تقبع داخل عتمة لا نهائية تلفها، وتغمر روحها، وهي لا تعرف إن كانت ميتة أم ما تزال حية، ثم لا تلبث تؤكد أن هذه العتمة قد رافقتها منذ طفولتها، "كانت تلك العتمة قد أحاطتني منذ الطفولة وغشيت كل حواسي، فلم أعد أستطيع أن أتلمس طريقي بأي وسيلة كانت، وكان الخوف وحده محيطي الذي يحدد أبعادي، ويجمعني مع غرفتي وأدواتي وكتبي". هذه العتمة التي تعيشها "سارة" ستوقعها في كمائنها لتجلس على كرسي الاعتراف، وتبدأ جلسة السرد الطويلة التي تبوح فيها بكل ما يجول في ذهنها، وما يعتمل في روحها من غضب وحزن. من خلال تداعياتها، تسترجع "سارة" الكثير من مراحل حياتها، فتقص أحداثها ثم تتأمل فيها، تحكي عن طفولتها، ودلال العائلة لها، مراهقتها، دراستها وأحلامها الكبيرة، خيباتها وأوجاعها، تسرد كل ذلك في تداعٍ حر، لا يلتزم بزمان أو مكان، فتارة تأخذنا إلى طفولتها، لتعيدنا فجأة إلى عتمتها الآنية، وتارة تتذكر حادثة من صباها وتربطها بذكرى من المراهقة، فيأخذ سردها شكلاً دائرياً لا نعرف متى بدأ ولا أين انتهى: "اختلطت عليّ الأشياء في هذه البقعة الخالية من الضوء والتي تتكالب عليها الظلال الكثيرة للكلام والصمت في الوقت نفسه، حيث يصبح الماضي مجرد جزء من الحاضر، ويتحول الحاضر إلى جزء من الماضي، وكأن الزمن مجرد دائرة". تصوّر الكاتبة في روايتها معاناة المرأة في المجتمعات الذكورية، والقيود التي تُفرض عليها، وتكبّلها، حيث المجتمع يرسم لها مسار حياتها، غير مهتم برغباتها وطموحاتها أو مشاعرها، الأم تدفع ابنتها إلى طريق التديّن لتصبح مثل "أم عمر" الداعية، جارتها، أما الأب فيعاقبها ويحبسها في الغرفة بعد معرفته أنها التقت بشاب. هذه الضغوط والقيود التي تعانيها تدفعها إلى نوع من أنواع الحياة السرية التي تفعل فيها ما تشاء بعيداً عن تحكّم المجتمع بها، "في غرفتي كنت أمارس حياتي بجنون باذخ، وكانت غرفتي مساحة من الحياة المحرّمة التي لا يستطيع أن يتخيّلها أحد". لا تكتفي الكاتبة بعرض نموذج "سارة"، بل تقدّم نماذج أخرى لنساء مظلومات، تدور في محيط الشخصية الرئيسية وتؤثر في حياتها، مثل: "أم عمر" المرأة المتدينة، والتي ترغب جميع النسوة أن يكنّ مثلها، لكنها هي الأخرى تخفي حياة سريّة لا تبوح بها لأحد، ومثل "خالة سارة" التي تكتشف سوء زوجها وخيانته، ومثل "نسيم" صديقة الطفولة التي يزوجها والدها في عمر صغير لرجل يكبرها بخمسين عاماً.
رغم كثرة الشخصيات وحكاياتها المختلفة، لم تنجح "المزروعي" في جعل القارئ يتفاعل ويتعاطف معها، لأنها قدمتها من خلال انطباعات وأفكار وخبرات "سارة" عنها، فبقيت هذه الشخصيات مجرد كائنات تمر حكاياتها عبر تداعيات البطلة، بما في ذلك قصص الحب التي عاشتها، والتي بقيت مجرد قصص لا نعرف عنها، سوى مشاعرها هيَ تجاه الطرف الآخر "الشاب حمود"، الطبيب الجراح "عبد الرحمن"، وأخيراً "سعد" الذي تحادثه على المسنجر دون أن تعرف شكله، وحين تلتقيه تصاب بصدمة؛ لأن صورته جاءت مخالفة لتوقعاتها. كانت الروائية منحازة لبطلتها، وربما يشفع لها ويحفزنا على قراءة الرواية أنها استطاعت الغوص في أعماق "سارة"، فحللت نفسيتها وفسرت دوافعها ومشاعرها، وعلاقتها بجسدها وذاتها ومحيطها، وجعلتنا نشعر تماماً بالغربة التي تحياها في عتمتها وعزلتها تلك. كما استطاعت تقديم صورة حقيقية لبلدها "الإمارات"، وبخاصة في تلك المقاطع التي تنساب إلى ذاكرة البطلة، عن الأمكنة التي تحبها، وعن المشاهد القديمة المختزنة في روحها، بما فيها من عادات وطقوس. "أتذكر الحيّ الذي كنت أعيش فيه، صباحاته الجميلة ومساءات شهر رمضان، حيث تزدحم الشوارع بالذاهبين إلى المسجد لإقامة صلاة التراويح. (...) كنا نراقب بفضول أولئك النسوة، كنّ يغطين رؤوسهن بالشيلة والعباءة، فلا تتضح لنا أي ملامح من أجسادهن. فاطمة المزروعي كاتبة من الإمارات، مواليد 1978، حاصلة على ليسانس في التاريخ والآثار من جامعة الإمارات عام 2004. لها مقالات رأي في مجلات وصحف محلية وعربية، ولها مجموعتان قصصيتان: "ليلة العيد" و"وجه أرملة فاتنة" التي ترجمت إلى الألمانية، ومجموعتان شعريتان: "ليتني كنت وردة" و"لا عزاء". صدر لها في المسرح، مسرحيتان: "طين وزجاج" و"حصة". كما كتبت قصصاً للأطفال نشرتها تحت عنوان: "ذاكرة الحكايا". ولها روايتان: "زاوية حادة" التي ترجمت إلى الإنكليزية، و"كمائن العتمة" التي فازت بجائزة العويس للإبداع 2013. فازت الكاتبة بالعديد من الجوائز، منها: جائزة أندية الفتيات بالشارقة، الجائزة التشجيعية في الأدب عام 2001، جائزة المرأة الإماراتية في الآداب والفنون 2007 عن مجموعتها الشعرية "ليتني كنت وردة". وكتبت سيناريو "تفاحة نورا" الذي حُوّل إلى فيلم سينمائي قصير من إخراج "منال بن عمرو" في مهرجان الخليج السينمائي في دبي 2010.
فايز علام