الثقافي

أهوال الحرب الأهلية الجزائرية في "مملكة الفراشة"

يتناول الروائي الجزائري واسيني الاعرج في روايته "مملكة الفراشة" اهوال الحرب الاهلية الجزائرية وما خلفته من اثار في الجزائريين.
ويلخص الكاتب وجهة نظره بكلام كتبه في شبه مقدمة صغيرة تسبق الفصل الاول للرواية.
"مجموعة أشخاص -سبعة واحيانا ثمانية- حاولوا ان ينسوا الحرب الاهلية والبغضاء فشكلوا الفرقة الموسيقية (ديبو جاز)".
وكتابته تتميز بالعمق الفكري والشعري في وقت واحد.
قال "الحرب ثلاثة انواع: حرب معلنة ومميتة تحرق وتبيد على مرأى الجميع. نهايتها خراب كلي وأبطال وطنيون وقبور على مرمى البصر. وحرب اهلية تحرق الاخضر واليابس يكيد فيها الاخ لاخيه ولا يرتاح الا اذا سرق منه بيته وحياته وحبه واسكن في قلبه حقدا لا يمحى.
"وحرب أخيرة هي الحرب الصامتة التي لا احد يستطيع توصيفها لانها من غير ضجيج ولا ملامح وعمياء. كلما لامسناها غرقنا في بياض هو بين العدم والكفن. فالحروب مهما كان نوعها ليست فقط هي ما يحرق حاضرنا ولكنها ايضا ما يستمر فينا من رماد حتى بعد خمود حرائق الموت في ظل ظلمة عربية تتسع بسرعة الدهشة والخوف".
وانه يعرف جيدا ما يود قوله ويقوله بطريقة مؤثرة وموحية تصل احيانا إلى حد تحمل لنا فيه الفجيعة بهدوء رهيب.
لكن قد يؤخذ على هذا العمل الروائي غرقه في تفاصيل معادة.
يتكرر كلام كثير وافكار تتردد بين فترة وأخرى دون ان تضيف إلى الرواية اي سمة ايجابية بل كل ما تفعله انها تسبب شيئا من الملل وشعورا بين فترة وأخرى بأن ما يقدم اليك عرفته اكثر من مرة، وذلك ليس من أسلوب واسيني الاعرج.
جاءت الرواية في 423 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الاداب في بيروت. عنوان الرواية على الغلاف هو "مملكة الفراشة" اما العنوان الداخلي فكان هو نفسه الا انه حمل بعده هذا الكلام "نحن ايضا نحب التانغو ونرقص على جسر الموتى".
وتقول الراوية عضو الفرقة "كبرت مع الكلارينات حتى صعب علي الانفصال عنها. كانت وجداني العميق ووسيلتي الانتقامية من الجلافة والموت".
تضيف انه عندما قتل (ديف) أو داوود عضو الفرقة "الذي كنت متعلقة به تغير كل شيء. انفصلت عن فرقة ديبو جاز وذهب كل منا في اتجاه قبل ان يحاول (جو) اكبرنا سنا اعادة تركيب الفرقة من جديد".
جو أو جواد "لم يستسلم ابدا لقدر الموت الذي أصابنا جميعا في الصميم. فقد كان اكثرنا إصرارا على المواصلة والحفاظ على ديبو جاز".
كانت الموسيقى والفرقة الموسيقية تعويضا لهذه الجماعة عن الوطن. ثمة تعويض اخر جاء بالنسبة إلى (ياما) راوية القصة عبر عالم الانترنت مع حبيب افتراضي. كانت الراوية تتواصل على الفيسبوك "كالعادة مع حبيبي فادي أو فاوست".
الراوية صارت هنا في وضع يشبه وضع بيغماليون الذي صار معلقا بين التمثال الذي صنعه اي بين العمل الفني اللامحدود وبين الانسان الحي والمحدود الذي بناء على طلب بيغماليون حولت الالهة التمثال اليه واعطته الحياة ليعود فيندم بعده على الاخر، انها معلقة بين صورة فاوست على الانترنت والمأخوذة من رائعة جوته الشهيرة وبين الشخصية الحقيقية اي شخصية عالم الواقع لهذا "الفاوست".
تقول له ياما "خليني نشوفك على الاقل واتأكد من انك حقيقة ولست حلما هاربا حتى في السكايب اذا احببت قبل ان يداهمني الموت في مدينة اصبحت توفره بسخاء... أريدك لي انت بلحمك ودمك. أريد ان أقتل هذا الرجل الافتراضي واؤمن برجل يمنحني الحب. اشم رائحة عطره وعرقه واسمع قهقهاته العالية واشعر بكل لمسة من لمساته."
جعل اسمه فاوست وبدل اسمها الذي اعطته اياه اي ياما. كان يخاطبها باسم مارجريت أو ماجي وتقول انها خلصت فاوست من براثن مفيستوفيليس أو الشيطان الذي باعه روحه كما في رواية جوته الكاتب والشاعر الالماني الشهير.
الرواية مليئة بالاشارات والاتجاهات الفكرية المختلفة من جوته إلى سامويل بيكيت وكازانتاكي في زوربا إلى جاك دريدا وما بعد الحداثة وبكثيرين غيرهم من إشارات إلى احداث اقتصادية واجتماعية في العالم.
وابدلت اسم ابيها من زبير إلى زوربا وقالت لصديقتها "لا اريد لوالدي ان يكون الزبير بن العوام. لا اكره هذا الصحابي الجليل ابدا ولكني اكره الحرب وأكره الاستشهاد أو الموت المقدس وامقت الدم. ماذا جنينا من وراء ذلك كله؟ لا شيء وكأن قدر الناس ان يموتوا من اجل قضية. يأتي بعدهم من يمحو كل شيء عن تفاصيلها ويبدأ من الصفر وينشيء أقدارا جديدة يذهب ضحيتها الالاف وربما الملايين."
قتل ابوها زوربا برصاصة قناص وهو يودعها على باب بيته ذاهبا إلى عمله. السلطات أرادت منها ان توقع إفادة تقول ان اباها مات بسكتة قلبية. رفضت ذلك.
تزول بعض اوهام ياما عندما يعود فاوست الكاتب الشهير إلى البلاد وتستقبله الجماهير لتكتشف عندما كلمته أنه لا يعرفها وأنه ليس ذلك الشخص الذي دارت بينها وبينه قصة حب ومئات الرسائل. تعرف لاحقا انه يراسل مئات المعجبات الاخريات وأنه لا يراسلهن شخصيا بل ينوب عنه في ذلك احد العاملين لديه من اقربائه.
شخصية ياما شخصية "هاربة" من عالم التعاسة. تعيش في عالم الروايات وابطالها وعالم الكتب ويدفعها ولع شديد باظهار المعرفة الفكرية والادبية والمخزون الثقافي.
عاشت في عالم افتراضي اعتبرته حقيقيا وهربت إليه من العالم الفعلي لتعود فتكتشف خيبتها. انها بيغماليون الذي يترجح بين المرأة المؤلفة من لحم ودم ولكنها زائلة تسير إلى الشيخوخة والموت .. وبين المرأة التمثال.. العمل الفني الخالد لكن الخالي من الانفاس البشرية وحقائق الحياة.
عن ميدل ايست أونلاين

من نفس القسم الثقافي