الثقافي

بقلم:محمد سيف الإسلام بـوفلاقـة

نقولا زيادة في مرآة شيخ الـمؤرخين الـجزائريين

 

الجزء الثاني

وفي الكتاب وصف لمقاومة أهل برقة للاحتلال الإيطالي وحركة الجهاد الليبي التي استغرقت حوالي عقدين،وقد وصف القائد غرازياني بالفاتك لأنه أسر رمز المقاومة عمر المختار،ونصب له محكمة صورية حكمت بإعدامه.وقد زار مكان الإعدام فاندهش من قلة المترددين عليه بعد أن كان يعج بالناس-حسب تعبيره-فاقترح إقامة نصب تذكاري لعمر المختار.وقسم مراحل النظام السياسي والإداري بعد ذلك بحسب السلطة،فهذا الاستعمار الإيطالي بقي إلى1942 بإدارة عسكرية،وأنشأ عدة قرى أصبحت لها اليوم أسماء عربية،كما استولى الإيطاليون على الأراضي الخصبة،وعملوا على تجهيل السكان.ثم ظهرت حركة التحرر بعد هجرة كثير من الليبيين إلى مصر حيث انطلقت المقاومة ضد إيطاليا.

أما الوضع سنة:1949 فقد اختلف،إذ كان السنوسي يتردد على ليبيا مما أسهم في تهدئة الخواطر،حسب رأي المؤلف.ثم جاء الحكم البريطاني فوضع أسساً لنظام مختلف،واعترف بإدريس حاكماً(ملكاً)على برقة،ثم تطور هذا الحكم إلى الاستقلال الداخلي قبل أن تنال ليبيا استقلالها الكامل في فاتح سنة:1952،بينما أعلنت فرنسا استقلال فزان في سنة:1950».

3-الجغرافية والرحلات عند العرب:وهو كتاب يشتمل على عدة فصول من ضمنها فصل بعنوان«تونس وجغرافيو العرب»،وآخر عن ابن بطوطة الذي يسميه الدكتور نقولا زيادة شيخ الرحالين،إضافة إلى فصل عن رحلة التجاني التونسي،وفصل موسوم ب«رحالة من المغرب».

تطرق نقولا زيادة في أحد فصول الكتاب إلى بلاد المغرب في عرف الجغرافيين العرب،حيث إنها تعني عندهم«المنطقة الممتدة من مصر إلى المحيط الأطلسي»،وربما أدخلوا في ذلك الأندلس أيضاً،وقد أشار إلى ما كتبه ابن حوقل في كتابه«صورة الأرض» عن مدن القطر التونسي،وبالنسبة للجزائر أو المغرب الأوسط،فقد أورد ما جاء في كتاب أبي الفداء من تعريف لمدينة وهران،حين قال عنها:«إنها مدينة في بلاد البربر على ضفة البحر،وهي تبعد عن تلمسان مسيرة يوم». ونقل أبو الفداء عن المقدسي أن وهران تقابل الأندلس.كما لم يهمل الحديث عن بعض المدن الصحراوية النائية وعمرانها في تونس وليبيا مثل: غدامس وفزان وودان وزويلة،وبعض الجبال مثل: جبل قفصة وجبل وسلات. 

وقد نقل نقولا زيادة عن ابن سعيد ما ذكره بالنسبة لمدينة أوجلة الصغيرة المتحضرة الرابطة في الميدان التجاري بين الصحراء وبلاد السودان، كما تحدث عن مدن المغرب الأقصى طنجة وسبتة وفاس،وكما كانت تلمسان محل اهتمام ابن سعيد فقد شغلت اهتمام نقولا زيادة كذلك،حيث وصفها كل منهما بأنها« مدينة مشهورة مسورة،لها ثلاثة عشر باباً،وبخارجها أشجار وأنهار.وهي قاعدة ملوك بني عبد الواد(الزيانيين).وقد أضافا إليها بجاية الواقعة وسط الجزائر وقسنطينة الواقعة بشرقها.واعتبر ابن سعيد بجاية قاعدة المغرب الأوسط ،ولها بساتين على ضفتي نهرها،وتقابلها مدينة طرطوشة في الأندلس.وقال:إن جزائر بني مزغنة(مدينة الجزائر حالياً) تقع غربي بجاية بينما مرسى الخرز الشهيرة بالمرجان فتقابله جزيرة سردينية.كما ذكر أن قسنطينة لها نهر يصب في خندق سحيق حتى أنه يحدث دوياً هائلاً.وقسنطينة هي آخر مملكة بجاية وأول مملكة إفريقية(تونس).وتحدث عن ثرائها بالحبوب التي تحفظ في المطامير مائة سنة ولا تفسد.ولها أسواق وتجارة،وسكانها من البربر،ويصلها بالمسيلة جبل متصل».

وقد قدم المؤرخ الكبير نقولا زيادة رأيه في تاريخ الرحلة من المغرب إلى المشرق،و ذهب إلى أن رحلات المغاربة إلى المشرق أكثر من رحلات المشارقة إلى المغرب لأسباب منها أداء فريضة الحج،ووجود مراكز العلم الأولى.وقد اختار ثلاثة رحالة هم:ابن جبير وابن سعيد والعبدري.وبعضهم من مثقفي الأندلس وبعضهم من مثقفي المغرب وهذا يدل-كما يقول الدكتور سعد الله-على عناية نقولا زيادة بهذه المنطقة من العالم العربي والإسلامي.

كما اهتم كذلك بالرحالة المغربي ابن بطوطة،واستغرب من كونه قضى ثمانية وعشرين عاماً في الرحلة قاطعاً مائة وعشرين ألف كلم،لذلك فقد دعاه«شيخ الرحالين العرب وسيد الرحالين في القرن الثامن الهجري(الرابع عشر الميلادي)».

وقد لاحظ نقولا زيادة أن من خصائص رحلات ابن بطوطة أنه كان قليل الاهتمام بالمدن والأرض كثير الاهتمام بالناس،ومنهم العلماء والأولياء،ولذلك اعتبره رحالة متميزاً ومؤرخاً اجتماعياً بارعاً،كما أورد كذلك بعض النصوص من رحلة ابن بطوطة عن المغرب وحكم السلطان أبي عنان المريني،وقارن فيها بين خيرات ورخص السلع في المغرب وغلائها في مصر والشام والخليج،كما تحدث فيها عن بعض عادات المغرب والمشرق.

4-محاضرات في تاريخ ليبيا من الاستعمار الإيطالي إلى الاستقلال: أصل هذا الكتاب مجموعة من المحاضرات عن تاريخ ليبيا ألقاها نقولا زيادة على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية . وقد ذكر أنه يضعها «بين يدي القارئ العربي،آملاً أن يفيد منها بالقدر الذي أفدته أنا في إعدادها».

وقد بدأ كتابه هذا بخريطة شاملة لليبيا،«وقسمه إلى عشرة فصول هي:البلد وأهله،وشيء من التاريخ،وهما فصلان تمهيديان فقط لأن اهتمامه كان منصباً على الاحتلال الإيطالي وما بعده ثم على ليبيا في القرن19،والسنوسية،وليبيا وإيطاليا(في فصلين بنفس العنوان)،وليبيا من1943إلى1949،ثم مصر وجامعة الدول العربية،وقضية ليبيا في المحافل الدولية ونحو الاستقلال.

احتوى كتاب المحاضرات أيضاً على عدد هام من الملاحق:منها دستور المملكة الليبية المتحدة،والقانون الأساسي لولاية برقة،والقانون الأساسي لولاية فزان مذكراً بأنه لم يسجل جميع الوثائق التي صدرت عن مندوب الأمم المتحدة مثل التقارير ومناقشات الجمعية العامة لقضية ليبيا.ولكنه أورد قائمة بكتب مختارة باللغتين العربية والأجنبية،ناقلاً عن القدماء والمحدثين من الليبيين وغيرهم؛مثل:الزاوي والسنوسي والحشائشي وشكري والكعاك».

وقد ركز نقولا زيادة على السنوسية والعلاقات الليبية الإيطالية،وأشار إلى علاقة السنوسية بحركة تركيا الفتاة،حيث رأى أنها لم تتأثر بها،كما لم تتأثر بسقوط السلطان عبد الحميد سنة:1908م،لأن السنوسية لم تكن راضية عما كانت ترمي إليه حركة تركيا الفتاة من تتريك العرب،ولا راضية عن خطط الحركة لإلغاء الخلافة،حتى أن النائبين اللذين انتخبا لمجلس النواب العثماني كانا معارضين لجمعية الاتحاد والترقي.

كما نبه الدكتور نقولا زيادة إلى أن«الإيطاليين اعتقدوا خطأً أن تسامح السنوسية مع الأتراك عن طريق تمكينهم من رفع علمهم على واحتي الكفرة وجغبوب سيجعل السكان يستقبلون الإيطاليين بالأحضان ويثورون ضد الأتراك،ولكنهم كانوا مخطئين.وتحدث عما عرف بالجمهورية الطرابلسية سنة:1918،أي: بعد خروج العثمانيين نهائياً،وعن تكوين مجلس شورى من خمسة وعشرين عضواً من أعضاء الحكومة الجديدة.وقال:إن طرابلس لم يصبها ما أصاب بني غازي وطبرق من تدمير خلال الحرب العالمية الثانية.

أما بريطانيا التي حلت محل إيطاليا بعد انتهاء الحكم الفاشيستي،فقد اهتمت بالإدارة رغم أن ليبيا ظلت تتبع وزارة الحربية البريطانية لا وزارة الخارجية.وقد أشاد بما قامت به بريطانيا من أعمال في ليبيا مثل فتحها103 مدارس ومستشفيين اثنين في مصراتة وطرابلس.ولمح إلى أن ما قامت به بريطانيا في ليبيا يعتبر في درجة الإنجازات،وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل الإيطاليين يرغبون في الرجوع إلى ليبيا بعد أن كانوا غادروها».

5-تونس في عهد الحماية1881-1934: وصف الدكتور أبو القاسم سعد الله هذا الكتاب بأنه كتاب ظرفي كتبه نقولا زيادة بعد مرور بضع سنوات على استقلال تونس وقدمه لمعهد الدراسات العربية العالمية في شكل محاضرات ألقاها على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية بالقاهرة،وقد جعله في خمسة فصول ومجموعة من الملاحق.

خصص الفصل الأول للحديث عن جغرافية وتاريخ تونس منذ أقدم العصور مع التركيز على الفتح الإسلامي العربي،ثم عصور الولاة،والأغالبة،والدولة الفاطمية،والدولة الصنهاجية،والتغريبة الهلالية،والدولة الموحدية،والدولة الحفصية،والاحتلال الإسباني،والاحتلال العثماني،ثم الحماية أو الاحتلال الفرنسي،مع نبذة عن العلاقات بين تونس والدول الكبرى الأخرى.

وتحدث في الفصل الثاني منه عن النهضة التونسية في القرن التاسع عشر،فذكر إصلاحات أحمد باي،ومحمد باي،ثم محمد الصادق باي،وإصلاحات خير الدين باشا التونسي،ومساهمة محمد قبادو،ومن هذه الإصلاحات حصول تونس على شبه دستور لأول مرة في تاريخ دولة عربية مسلمة،وهو المعروف بعهد الأمان(1858).

وقد كرس نقولا زيادة الفصل الرابع من كتابه هذا للحديث عن علاقات تونس مع أوروبا أثناء العهد العثماني،وكيف تطورت إلى الاحتلال الفرنسي،وتحدث في الفصل الخامس عن الحماية الفرنسية وما أحدثته من تغييرات في المجتمع التونسي،ولاسيما منها تلك التغييرات التي أدخلها المقيم العام الفرنسي.كما دعم كتابه هذا بمجموعة من الملاحق التي تتصل بتاريخ تونس الدبلوماسي من مراسلات ومعاهدات ونحوها قبل الحماية الفرنسية.

يؤكد شيخ المؤرخين الجزائريين في ختام بحثه هذا على أن نقولا زيادة قد تعمق في دراسة أحوال المغرب العربي وتجول في مراحله التاريخية من العصور الإسلامية المزدهرة إلى مراحل الاستعمار المزرية.وقد كانت دراسته للمنطقة تبعاً للمنهجية التاريخية التي اتبعها المسلمون السابقون باعتمادهم الوصف أكثر من التحليل والنقد.وقد كان نقولا زيادة في(صور من التاريخ العربي)،وفي(الجغرافية والرحلات عند العرب)معجباً بمساهمة أهل المغرب في هذين التخصصين(الجغرافية والرحلة)فنقل عن بعضهم وأعجب باستنتاجاتهم وتعاطف مع محزونهم ،و« لا يخفى أن نقولا زيادة مؤرخ اجتماعي،فقد اهتم بحركة الناس في مختلف ميادينهم اليومية،من عادات وأسعار وتجارة ومصاهرة بين العائلات وحياة الحضر والبدو ونشاط الأسواق،ثم الحياة الدينية والعلمية والأدبية،ودور المدن وما إلى ذلك.كما اهتم بالعلاقات بين الشرق والغرب ولاسيما السفارات بين الحكام المسلمين والحكام الغربيين.هذا عن بعض كتبه العامة والتي تناول فيها أخبار بلاد المغرب.أما كتبه التي تناول فيها بالتحديد ليبيا وتونس فقد اهتم بالحركات الإصلاحية والتحررية وبالنظم الإدارية التي سنتها كل دولة مستعمرة ثم مقاومة الاحتلال بمختلف أشكال المقاومة.أما لغته فلم تكن هجومية ولا سافرة رغم قرب العهد من الأحداث،بل كان يعالج مواضيعه بلغة محايدة هادئة مع أسلوب شفاف هو أقرب إلى الصياغة الأدبية الطلية منه إلى الصياغة العلمية الجافة».

من نفس القسم الثقافي