الثقافي

الباحثة عائشة خلاف تكشف عن نسق فكري داخل تراث الموسيقى العربية

في كتابها "فلسفة الموسيقى.. التجربة الحسية والجمالية للصوت"

في كتاب "فلسفة الموسيقى.. التجربة الحسية والجمالية للصوت" تكشف المؤلفة والباحثة الموسيقية الجزائرية عائشة خلاف عن نسق نظام فكري داخل التراث الموسيقى العربية، وترى أن التراث بصفة عامة والتراث الموسيقي بصفة خاصة ليس هو المتحكم في القوانين الثقافية بمعنى من المعاني، إذ يخضع تاريخ هذا التراث الموسيقي لعدد معين من القوانين، وهذه القوانين هي التي تحاول أن تكشف عنها المؤلفة. 

يضمّ الكتاب مقدمة وتسعة أبواب. وقد اعتمدت خلاف في كتابها طريقة المنطق الفلسفي: التحليل، الاستنباط والبناء البياني الهندسي، الذي ترى أنه لا بديل عنه لاستكشاف أو كشف هذه القوانين «النظرية الموسيقية»، وقالت الباحثة في حوار لها لاحد المنابر الاعلامية العربية حول السبب وراء اختيارها للكتاب ولماذا العودة إلى إشكالية الموسيقى العربية ابتداء من الصفر، بانها ارادت تاليف اشكال موسيقية من التراث بعد انهائها لدراسها في التأليف الموسيقي في كلية بيربك، جامعة لندن، فبرزت لديها إشكالية: كيفية التأليف؟ لم تقنعني طريقة تأليف موسيقانا "بالتنويط الغربي" كما قرّر مؤتمر القاهرة في 1932، ومن هنا كانت الانطلاقة وجاء كتابها ليطرح إشكالية معرفية وهي " معرفة موسيقانا وتنظير هذه المعرفة". مضيفة بانها فعلا إني تعود إلى البداية للنظر في تراثنا الموسيقي. ولم تكن هذه المهمة سهلة، بالطبع، فلقد استغرقت عشر سنوات. واطلعت خلال هذه المدة الزمنية الطويلة على التراث العربي الموسيقي، وعلى العلوم، والفنون العربية الإسلامية، فاكتشفت حقيقةً كنوزا زادتها ثقة بالذات. وقالت عائشة بان "معرفة حقيقة موسيقانا كانت تتطلب مني في بادئ الأمر أن أعرّف مفهوم التراث الموسيقي. وكان علي أن أنطلق من زاوية أخرى، مختلفة عن الزوايا التي نظرت لهذا التراث سابقا، وخاصة في مقارنته بالتراث الموسيقي الغربي، ففككت مفهوم الموسيقى برمّته. وبدأت فعليا من نقطة الصفر: ما هو الصوت؟ وهو عنوان الفقرة الأولى في كتابي. واضافت في سؤال حول ما اذا كانت تقصد بان العرب لا يملكون موسيقى، بان ما تقصده حقا هي تلك المعرفة النظرية الموسيقية، مشيرة إلى ان الانسان يعرف الشيء عندما ندركه، مستطردة بان الإدراك هو عملية ذهنية معقدة تبدأ من الحس وتنتهي بتنظيره، إذن فلا بد في بادئ الأمر، أن نعرّف هذا الشيء الذي نحسه، وهو التراث عن طريق التفكير المنهجي. وهنا، لا غناء عن الفلسفة التي هي أم الحاجة المعرفية. قائلة بانها قد اعادت قراءة الموسيقى قراءة تفكيكية، تبدأ من مفهوم الصوت وعلاقته بالموسيقى، أو كيف يصبح الصوت نغمة، وما علاقة هذه النغمة بالمادة، الفضاء، الزمن، اللون وطبعا اللغة. فاكتشفت حقيقة كان يخفيها، تراثنا الموسيقي، وهي نسق، نظام فكري قابل للإثراء والتجديد في كل زمان ومكان. واضافت الباحثة عائشة خلاف في حديثها عن سر المفارقة بين الموسيقى العربية والموسيقى الغربية نظريا، بان هذه الاخيرة قد أسست على غرار النظرية الموسيقية العربية، كالتدوين: المدرج، المفاتيح، الإيقاعات، علامة النغمة، طرائق التأليف وصنع الآلات الموسيقية والعزف عليها، والسلّم الموسيقي، وكان ذلك على يدي مؤلفي عصر النهضة وخاصة عصر البروك وعلى رأسهم جون سباستيان باخ.مضيفة بان بقاء الموسيقى الغربية يقوم على سلّمين هما الكبير والصغير، وهما لونان أساسيان في النظرية الموسيقية العربية التي وضعتها، وتعد السلالم الموسيقية بعدد الألوان وسّر بقاء الغرب على سلمين يعود إلى نظرته للكون، يعني نظريته الجمالية التي هي مبنية على الثنائيات: الكبير والصغير، القوي والضعيف، اما بخصوص جمعها بين اللون والصوت والهندسة "الزخرفة العربية الإسلامية" والرياضيات والموسيقىما فقالت الباحثة الموسيقية عائشة خلاف، بان الهندسة هي جزء من الرياضيات، فهي لغة القياسات، وبها نولّد النغم ونضع لها علامة، ميزان، إيقاع، ونبني على أساسها الأشكال الموسيقية. أما علاقة الصوت باللون فهي علاقة طبيعية فيزيائية، ولا يتسع المجال للتطرق إليها بالتفصيل كما فعلت في الكتاب، فهي علاقة تكشف عن مدى عمق المستوى المعرفي الذي وصلت إليه الحضارة العربية الإسلامية، وبتوحيد الصوت واللون تصبح لنا القدرة على بناء السلالم الموسيقية بعدد الألوان الرئيسة والثانوية وأطلقت عليها اسم الألوان الموسيقية، مضيفة في سياق اخر بان توقف الحضارة العربية الإسلامية هو ليس انحطاطا بقدر ما هو انتقال العلم والمعرفة لمجتمعات أخرى، وتعثّر في الصيرورة التاريخية أو الدورة الحضارية؛ لأن العقل، أو الذات التاريخية، تتراجع عن أداء مهمتها التي هي صنع الحضارة. معلنة تخصيصها في كتابها الفصول الأخيرة لموضوع الثقافة وعلاقتها بتكوين العقل. ولكن كل هذا أدى إلى تعثّر الصيرورة التاريخية البشرية لمدة زمانية معتبرة دامت أكثر من أربعة قرون قضاها الغرب في ترجمة كل الإرث العلمي والمعرفي العربي الإسلامي واستيعابه وتعليمه، ولم يصنع أشكالا فنية موسيقية تضاهي الأشكال الموسيقية العربية كالنّوبة، المقام، الأدوار والموشح إلا في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي. وهذا الشكل هو ما يعرف بـ"الصوناطة فورم". فالككتاب بقدر ما يضع أسسا نظرية فهو يكشف كذلك عن بعض التمويهات التي تدور على الأقل منذ نحو مائتي سنة على موسيقانا بصفة خاصة، وحول الفكر العربي الإسلامي بصفة عامة.

ليلى عمران

من نفس القسم الثقافي