الثقافي

قصة «السعفة الذهبية» من صحراء أتاكاما إلى سجادة «كان» الحمراء

 

 

تعتبر السعفة الذهبية قطعة مقدسة بالنسبة للفائز في مهرجان "كان" السينمائي العالمي، إنها مؤلفة من 118 غراماً من الذهب مثبتة على كتلة من البلور، مستخرجة من مئات كيلوغرامات من المعدن غير الخالص من صحراء أتاكاما في بيرو، و40 ساعة عمل في سويسرا، إضافة إلى ساعات من القلق لمصمم المجوهرات.

والذهب المستخدم هذا العام متأت من التجارة العادلة، إذ اختيرت تعاونيتان حرفيتان من صحراء أتاكاما، وهي من أكثر صحارى العالم قحلاً من قبل صانع المجوهرات السويسري شوبار الذي ينجز ويقدم مجاناً السعفة الذهبية لمهرجان كان للفيلم، وصحراء أتاكاما منطقة تعصف فيها الرياح والغبار ولا تستمر البلدات المجاورة لمنجمي ارويلسا وسوترامي ألا بفضل الموارد التي يكتنزها باطن الأرض على عمق مئات الأمتار، ومنذ أعوام قليلة يصنف الذهب المستخرج من المنجمين على أنه ناجم عن «التجارة العادلة» أي تتوافر فيهما ظروف عمل ممتازة وتقاسم للعائدات وتأمين صحي للعمال واحترام للبيئة التي تعاني من استخدام الزئبق والسيانور، هذه الشهادة تضيف رونقاً لا يقدر بثمن على السعفة الذهبية التي كانت تصنع سابقاً من ذهب أعيد تدويره على ما يؤكد المندوب العام لمهرجان كان تييري فريمو. أن غرامات السعفة الـ118 هي من الذهب عيار 18 قيراطاً، وهي مؤلفة بنسبة 75 في المئة من الذهب وخليط من الفضة والنحاس. تؤخذ من مئات الكيلوغرامات من المعدن غير الخالص الذي يستخرج من ممرات من الصخر الصلب فيسحق ويحلل قبل أن يكشف عن هذا المعدن الثمين، وتتبدل الأجواء في مشاغل شوبار في ميرين وجنيف في سويسرا، اعتباراً من مطلع مارس. فثمة خمسة أشخاص ينكبون على إنجاز هذه المهمة ففي كل عام تصنع السعفة في الفترة نفسها، ويوضح مدير دائرة تصميم المجوهرات الراقية لدى دار شوبار، مارك كوتيه: «إنه تقليد. شبيه بعض الشيء بتقليد البابا الذي يقرع باب القديس بطرس عند افتتاح السنة الطقسية... بالنسبة لنا إنه المفتاح الرمزي الذي يفتح لنا موسم مهرجان كان»، ويستغرق إنجاز الجائزة الشهيرة التي تضم 19 وريقة تكريماً لشعار مدينة كان أكثر من أربعين ساعة بقليل. فينبغي تصميم نموذج مصنوع من الشمع وقالب مطبوخ في فرن على حرارة 760 درجة مئوية وحقنه بالذهب وصقله وتثبيته على قاعدة بلورية من ألمانيا، أما على صعيد المقاسات فيبلغ ارتفاع هذه السعفة القيمة 13,5 سنتمتراً وطولها تسعة سنتيمترات فيما عرضها تسعة سنتيمترات أيضاً ويبلغ وزنها الإجمالي حوالى 1,4 كيلوغرام توضع في علبة زرقاء، وهي حلم كل مخرج يتم اختياره للمشاركة في المسابقة الرسمية لكن لم تكن الحال كذلك على الدوام، فحتى العام 1954 كانت لجنة التحكيم تمنح «الجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم» وهي شهادة مرفقة بعمل فني لفنان رائج، ومنحت أول سعفة ذهبية مثبتة على منحوتة من الفخار في عام 1955 إلى ديلبرت مان عن فيلم «مارتي». لكنها اختفت مجدداً في عام 1964 مع العودة إلى الصيغة السابقة وحصول جاك ديمي على «كأس» من يدي انوك ايميه عن فيلم «مظلات شيربور» بحسب صحافي لم يجد طريقة أخرى لوصف الجائزة، وبعد عشرة أعوام على ذلك تسلم فرنسيس فورد كوبولا هو أيضاً عملاً فنياً وشهادة كبيرة مربكة عن فيلم «ذي كونفيرسيشن». لكنه كان الأخير، ففي العام التالي عادت السعفة نهائياً وصمم النموذج الراهن في العام 1997 كارولين شوفيلي رئيسة شوبار وتبلغ قيمته 20 ألف يورو تقريباً، وتنجز دار المجوهرات السويسرية نموذجين في كل دورة تحسباً لأي حادثة أو لاختيار فائزين. وهي محاطة بإجراءات أمنية مشددة بطبيعة الحال، لكن مارك كوتيه يعتبر أن الضغط النفسي والقلق يتأتى خصوصاً من حفل الختام موضحاً: «إننا نشعر في أن بالقلق ونتنفس الصعداء أيضاً»، وتحول كابوسه الأكبر إلى حقيقة في عام 2000. فبينما هو جالس أمام شاشة التلفزيون يتابع حفل الختام شاهد المخرج لارس فون ترير الذي كوفئ عن فيلم «دانسير أن ذي دارك»، يرفع السعفة فوق رأسه مثلما يرفع لاعب كرة قدم الكأس، لتسقط السعفة أرضاً على السجادة أمام عيني كاترين دونوف، ويضيف: «توقف قلبي عن الخفقان لبرهة» لكن السعفة لم تصب بأي ضرر «فلحسن الحظ كانت السجادة سميكة».

عن الحياة اللندنية

من نفس القسم الثقافي