الثقافي

فعاليات "كان" السينمائي الدولي تفتتح بفيلم "غريس أوف موناكو" المثير للجدل

نقاد أجمعوا على شجاعة المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو

 

 

انطلقت نهاية الاسبوع الماضي فعاليات الدورة الـ67 لمهرجان كان السينمائي الدولي، والذي عرف مشاركة عربية وحيدة تمثلت في الفيلم الموريطاني "تمبكتو" لمخرجه عبد الرحمان سيساكو، حيث يستنافس إلى جانبه 18 فيلما لمخرجين عالمين على جائزة السعفة الذهبية، وهي أهم جوائز المهرجان والمقرر تسليمها يوم 24 ماي الجاري إلى جانب جوائز أخرى، كما عرف المهرجان قرابة 127 ألف زائر إلى جانب 30 ألفا من المهتمين بصناعة السينما و4000 صحفي و700 فني، كما كان افتتاح المهرجان الاربعاء الماضي بالفيلم المثير للجدل "غريس أوف موناكو"، الذي تناول حياة زوجة امير موناكو الراحلة الممثلة الأميركية غريس كيلي، والتي لعبت دورها نجمة هوليود الاسترالية نيكول كيدمان.

 

فيلم "غريس أوف موناكو" يصنع الحدث

ولعل ما ميز فيلم "غريس أوف موناكو" الذي ارتأت محافظة المهرجان الافتتاح به، الصدى الكبير الذي لاقاه على الساحة الاعلامية وما اساله من حبر حتى قبل عرضه على المشاهد، وذلك اثر الخلافات التي وقعت بين مخرجه الفرنسي اوليفييه داهان ومنتجه هارفي وينستن بسبب امتلاك هذا الاخير لحقوق التوزيع في أميركا بشأن النسخة النهائية من الفيلم وهو أمر ينص القانون الفرنسي على أنه من حق المخرج، وكذا الاعتراضات الكبيرة التي لاقاها من طرف العائلة المالكة بسبب عدم مطابقته للواقع، في الوقت الذي اعلن خلال الافتتاح بأنه قد تم تسوية جميع الخلافات التي شابت الفيلم لكنه لا يزال يشهد انتقادات شديدة من قبل النقاد، وجسدت نيكول كيدمان في الفيلم الذي صورت بعض مقاطعه في موناكو قبل أن ينشب الخلاف بين المخرج والعائلة المالكة وادانتها للفيلم، دور أميرة أحبطت بسبب عدم قدرتها على التكيف مع سكان الإمارة الصغيرة ودورها المحدود كزوجة للأمير، حيث تقود كيدمان سيارتها البورشه الفارهة بسرعة عالية في شوارع موناكو التي تكثر فيها المنحنيات، وذلك للتنفيس عن مشاعر الإحباط المكبوتة داخلها وشعورها بالملل الواضح من الحفلات الكبيرة التي يقيمها صديق زوجها أريستوتل أوناسيس على متن يخته الضخم، في حين ضم الفيلم العديدي من المشاهد الخيالية كزيارة الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول لموناكو أثناء الأزمة بين فرنسا وإمارة موناكو وسفر المخرج الشهير إلفريد هيتشكوك إلى موناكو لإعادة كيلي إلى التمثيل من نسج الخيال، وقالت كيدمان في تصريح لها ل"لحياة اللندنية" عقب عرض الفيلم، بانها هي واميرة موناكو لا يمتان باي شبه لبعضهما البعض،وذلك بلنها لم تعش ما عاشته غريس كيلي اطلاقاً مضيفة بانها على الرعم من كونها معروفة لكنها لا تثير العواطف على المستوى الذي فعلته الأميرة، وجمهورها لا يقضي وقته في محاولة اكتشاف خبايا حياتها العائلية، مثلما فعل العالم كله تجاه اميرة موناكو والسبب حسبها في كونها أميرة، مشيرة إلى انها قد مثلت الشخصية استناداً إلى مقومات كثيرة، لكنها لم تلجأ في أي حال من الأحوال إلى تجربتها الشخصية بهدف حسن إدراك عقلية غريس، وفي سياق اخر اكدت كيدمان بان تمثيل الفيلم لم يكن بالأمر السهل عليها حيث فكرت طويلاً قبل أن تمنح الشركة المنتجة والمخرج أوليفييه دهان موافقتها النهائية على المشاركة، وذلك فعلاً بسبب الصيت العالمي لغريس كيلي طوال حياتها، منذ أن كانت ممثلة سينمائية مرموقة على مستوى العالم كله، ثم بعدما تزوجت من الأمير رينييه وأصبحت أميرة موناكو، وحتى عقب رحيلها المأسوي في حادثة سيارة، فهي إمرأة لا تزال حية في الذاكرة الجماعية، مضيفة بإنها تتمتع بشعبية فوق العادة، غير أنها أيضاً مكروهة من بعض الذين انتقدوها بشدة وهي على قيد الحياة، ولكل هذه الأسباب شعرت كيدمان شخصياً بالخوف أمام مسؤولية تجسيدها فوق الشاشة، لكنها تجاوزت هذه المرحلة ورفعت التحدي.

"تمبكتو" الفيلم الموريتاني العربي الوحيد يواجه القاعدة

أشاد نقاد ونجوم مهرجان "كان" السينمائي بشجاعة المخرج الموريتاني، عبدالرحمن سيساكو، الذي يتناول في فيلمه موضوع التطرف الديني الذي يجتاح دول الساحل الإفريقي، ويقدم مدينة "تمبكتو"، المعروفة بتاريخها الثقافي وانفتاحها على العالم فنيا وثقافيا، ضحية للعنف الذي تمارسه القاعدة في المدن والقرى الإفريقية التي قامت بغزوها وأعلنتها دولا إسلامية تحكمها بقوة السلاح والسوط وبفتاوى بعيدة عن تقاليد وأعراف إفريقيا، حيث يواجه إمام جامع تمبكتو في الفيلم، الذي يمثل الإسلام المعتدل، التطرف ببدء حوار مع مجموعة تمثل القاعدة حول مفاهيم الإسلام، وفتاوى زواج القاصرات بالقوة، ومنع الموسيقى، وتحريم عمل المرأة وغيرها، ويسألهم إمام الجامع، من أرسلكم لتطبيق هذه القوانين البعيدة عن الإسلام؟ ولماذا تحرمون كل شيء حتى لعبة كرة القدم لشباب المدينة؟ وهنا يترك أعضاء القاعدة الجامع، ويطالبون الإمام بالطاعة وتطبيق الشريعة الإسلامية دون تقديم إجابات عن تساؤلاته، وفي تحدٍّ لعناصر القاعدة، يقيم شباب القرية مباراة لكرة القدم ولكن دون كرة، ويجرون وراء كرة افتراضية، وتتعالى صيحاتهم دون أن نرى أي كرة في الملعب. ويضع الموقف الغريب عناصر القاعدة في حيرة، فيتركون الشباب يلهون بالكرة الافتراضية، فكثيرة هي مشاهد الكوميديا السوداء في الفيلم، لعل أبرزها مشهد تعذيب المغنية التي حكمت عليها محكمة جهادية بالجلد 22 جلدة، واستمرت في الغناء أثناء تنفيذ العقوبة، ثم تنهار وتترك في العراء، وقال مخرج الفيلم عبد الرحمان سيسكو بانه لن يخف قلقه من أن يتوسع التطرف، ومحاربته مسؤولية دولية. وعن اختيار فيلمه في المسابقة قال لا توجد أي أسباب سياسية أو توجهات متطرفة ضد الإسلام أو المسلمين لاختيار الفيلم للعرض في المسابقة الرسمية، مشيرا إلى أن هناك توجها حقيقيا من أجل تقديم الوجه الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف والقبول بالآخر، وقال سيساكو أن ظروفا صعبة مرت بفترة تصوير الفيلم وتزامنت مع الحملة الدولية لمطارة المتشددين الإسلامين في مالي على وجه الخصوص، حيث تم تصوير أحداث الفيلم الذي تطلب قرابة أربعة أعوام من الإعداد والتحضير والإنتاج، مشيرا إلى أن الفترة الأولى للتصوير أحيطت بالسرية التامة.

ليلى عمران

من نفس القسم الثقافي