الثقافي

الأندلسي "التاريخ العثماني المشبوه"

في عرضه الأول بقاعة الموقار

 

لم يكن ينتظر عشاق السينما بالجزائر أول أمس ذلك المستوى الباهت، الذي ظهرت عائلة شويخ في فيلمها "الأندلسي"، في عرضه الأول بقاعة الموقار، حيث صدم كل من حضر العرض.

سينوبسيس 

ويروي فيلم "الأندلسي" قصة الفقيه المسلم سليم ابن ابي حمزة وماريا روديغار الكاثوليكية، حيث ترك سليم مدينة "مالاقا" باتجاه غرناطة لإتمام دراسته هناك، اين اصبح بعد ذلك اصغر سكرتير للملكة التركية عائشة ام ابو عبديل بعد سقوط غرناطة، وفر هذا الاخير رفقة عائلته وعائلة صديقه اسحاق الخياط اليهودي إلى مدينة اندراش ليستقر فيها رافضا مرافقة ابو عبديل إلى منفاه في المغرب، مفضلا الوجهة الجزائرية، التي رسى بسواحلها هو وصديقه اسحاق على متن القارب اين التقى بأمير ذو نفوذ اختاره، ليكون سكرتيرا خاصا لبناته الثلاثة ثم مستشارا له، قبل أن يصبح زوجا للأميرة منصورة عن حب وقد ادت حروب الاسترداد الاسبانية التي امتدت لوهران إلى زعزعة المملكة الصغيرة، التي اصبحت مقاطعة تابعة للعرش الاسباني، وباعتبار سليم متمكنا من اللغة الاسبانية اصبح مترجما وصديقا للقائد مارتن دارغوت، اضافة إلى مهامه العديدة وباعتباره حليفا وأمين سر لعديد من الامراء المتخاصمين، جعله يساهم في حل النزاعات الناشبة بينهم. وفي خضم هذا الوضع المضطرب يجد نفسه في لب كل الاحداث التي غيرت تاريخ المغرب العربي رفقة زوجته منصورة التي كانت خير سند له.

محمد شويخ... والأندلسي 

 ويعتبر الفيلم الجزائري الذي استغرق تسع سنوات لإتمام تصويره من الاعمال السينمائية، التي اشرف على اخراجها الفنان محمد شويخ خلال مسيرته الفنية على غرار فيلم "الفتحة"، "البؤساء"، "القلعة"، "العرش" وغيرها، كما برز في هذا الفيلم السينمائي كل من الفنانين محمد بن بكريت في دور البطولة "سليم"، مليكة بلباي في دور "الاميرة منصورة"، باهية راشدي "الملكة عائشة" وغيرهم من الوجوه الاعلامية الجزائرية البارزة، والعديد من الوجوه التونسية والاسبانية على غرار مارك دلفاس في دور "الملكة اليزابيل الكاثوليكية" وبيدرو دلفاس في دور "الملك فرديناند"، كما حاول محمد شويخ من خلال فيلم "الأندلسي" استنطاق الواقع وإيجاد حلول لصراعات التي يعيشها المجتمع الجزائري في الوقت الراهن، بسرده لقصة عائلات غرناطية مسلمة ويهودية هاجرت من الفردوس الأندلسي بعد سقوط المدينة ونزحت إلى الضفة الجنوبية للمتوسط، حيث استقر البعض منهم بمدينة مستغانم، كما يروي أيضا قصة تغريبة لسالم بن أبي حمزة الذي جسد دوره الممثل "محمد بن بريكي"، وهو نجل آخر قادة مملكة غرناطة الذي يرافق الملكة "عائشة" وابنها الأمير أبو عبدل في رحلة تيه طويلة بحثاً عن ملاذ آمن من بطش الصليبيين الإسبان، ويضم الموكب النازح من الفردوس الأندلسي شخصيات مسيحية كوالدة سالم بن أبي حمزة، ماريا رودرغاز "أمينة لوكيل"، وأخرى يهودية كخياط الملكة إسحاق وزوجته سارة وابنتهما ماري، وفي الأخير يجد كل هؤلاء على اختلاف أعراقهم وديانتهم ملاذاً آمناً في ضيافة ملك المدينة عبدلي "حسان كشاش" بمستغانم، هذا ما يؤسس لتجربة تعيد إحياء تقاليد التعايش التي كانت سائدة في الأندلس.

الفراغ التاريخي 

لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الميزانية الضخمة التي رصدت لإنتاج هذا الفيلم، خصوصا وانه تم تدعيمه من قبل العديد من المؤسسات الثقافية في صورة الواكل الجزائرية للإشعاع الثقافي والديوان الوطني للثقافة والإعلام، ورغم ذلك لم يقدم محمد شويخ وزوجته المنتجة أمينة شويخ ما كان ينتظر منهم طيلة فترة 9 سنوات من العمل، حيث ظهرت كل مشاهد الفيلم باهتة مع التسريع في وتيرة الاحداث ما خلق نوعا من الفراغ التاريخي وصعوبة في استيعاب كل مجريات الفيلم. 

الكاستينغ وسوء الاختيار 

أظهر فيلم "الاندلسي" أن القائمين على إخراجه أخطئوا في اختيار الممثلين بصفة قد تكون شبه كلية خصوصا بعد المستوى الذي قدموه، وكشف أداء بعض الممثلين سخرية الجمهور الحاضر بالنظر لصعوبة نطق اللغة العربية الفصحى ما جعلهم خارج الاطار وظهر حديثهم باللغة العربية الفصحى كحديث مقاهي غابت عنه الحماسة وقوة الإلقاء، في صورة توحي بغياب اللمسة الفنية على العمل التاريخي وتظهر بعمق أن السينما الجزائرية لا تزال بعيدة عن الأعمال التاريخية ولا يمكنها بأي حال من الأحوال مقارعة الدول العربية الأخرى في ذلك، على غرار مصر وقطر وسوريا الذين نجحوا في رسم معالم صناعة سينمائية تفوقت حتى عالميا.

 

9 سنوات ...

المدة الزمنية الطويلة التي انتظرها عشاق الفن السابع في الجزائر من اجل أن يرى فيلم "اللأندلسي" النور، كانت صادمة لأنه وببساطة 9 سنوات كاملة من الترقب وميزانية 45 مليون دينار، وفي الاخير عمل بهذه الرداءة يكرس الهوة الموجودة بين الجمهور والسينما ويدفع نحو اعادة التساؤل عن الجدوى من دعم الوزارة الوصية لمثل هذه الاعمال، اضافة إلى محاسبة لجنة القراءة التي وافقت على سيناريوهات هذه الافلام. 

التاريخ العثماني علامة استفهام 

المتمعن في مشاهد الفيلم والسير التاريخي للأحداث يكتشف أن المخرج أراد إعطاء صورة اخرى عن سكان الجزائر في حقبة الاحتلال الإسباني، من حيث تسليط الضوء على التعاطف الجزائر مع الاسبانيين واظهر كاتب السيناريو أن الجزائريين كانو ضد الفتح العثماني في الوقت الذي هم من استنجدوا بعروج وخير الدين لتخليصهم من جحيم الاسبان، لكن محمد شويخ كانت له نظرة اخرى من خلال الفيلم حيث اظهر أن الجزائريين تحالفوا مع الاسبان من أجل طرد العثمانيين الذين اعتبروهم – حسب الفيلم- كغزاة اضطهدوا الجزائريين كثيرا عكس الاسبان الذين اظهروا لينا في المعاملة، هذا الأمر يفتح باب التساؤل عن الجدوى من اختيار هذا المنطلق بالنسبة للمخرج وكيف للجنة القراءة في الوزارة الموافقة على تشويه التاريخ العثماني، الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من التاريخ الجزائري. 

 

ل. عمران/ فيصل. ش

من نفس القسم الثقافي