الثقافي
"في رواية أخرى" وتشظي الذوات والأمكنة
لصاحبها الروائي علاوة حاجي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 فيفري 2014
كتب الروائي الجزائري عبد الرزاق بوكبة مقالا في موقع الجزية نت تطرق فيه إلى الرواية الأولى للإعلامي والكاتب علاوة حاجي والموسومة بـ "في رواية أخرى".
يجسّد الجزائري علاوة حاجّي في نصه السردي "في رواية أخرى" حالة التشظي العميقة التي بات يحياها جيل ما بعد العشرية السوداء في الجزائر، حيث تصير ذاكرة العنف مشكلا، لا حل له إلا ممارسة النسيان.
تطرح الرواية هذا الحل/المشكل في حد ذاته، من خلال طمس ملامح الشخوص والأمكنة، بالإشارة إلى جميعها بالحرف "س"، ما عدا الشخصية الرئيسية التي حملت اسما مشوّها هو "موحوش".
وتسرد الرواية حالات شخص هلامي لا نعرف عنه الكثير، غير أنه يُعاني من انفصام في الشخصية، حيث يتماهى مع غيره من الشخوص، بشكل يجعل فصله عمّا حوله من شخصيات وأحداث صعبا.
تبدأ الرواية بما يشبه اللعبة مع القارئ الذي لا يلبث أن يتحوّل إلى شخصية داخل المتن، فالروائي أو الراوي المتداخل في النص يتصوّر عددًا من الاحتمالات حول طريقة وصول الرواية إلى القارئ، قبل أن تتوالى الأحداث جميعها في شكل احتمالات متوالدة، بحيث لا يتبيّن ما إذا كانت تحدث فعلاً، أم أنّها محض تصوّرات في ذهن الراوي.
يرسم الراوي في طريقه إلى بيت خالته "مبروكة" مجموعة من الاحتمالات لعبوره الطريق، ولالتقائه بخالته، دون أن نعرف ما إذا زارها فعلا أم لا، كما اقتصد الكاتب في شخصيات الرواية.
أشخاص وأدوار
سمّونة في الغالب فتاة جميلة وطيبة يحبّها الراوي، لكنها -في رواية أخرى- تزوجت أو انتحرت قفزا من أعلى العمارة. موحوش هو صديق الراوي أو أخوه، لكنه في الغالب يظهر في شخصية الفضولي والانتهازي. مبروكة هي الخالة التي يتوق الراوي للالتقاء بها، وتأخذ أشكالا متعددة، لكنها في كل الحالات هي والدة سمونة.
أما مقران، فهو الجار الذي يجمع أعقاب السجائر من الشوارع، بعد أن قضى جزءا كبيرا من حياته في السجن، والمعلم المهمل الذي لا يقوم بواجبه مع تلاميذه، ويمثل الجد السلطة الأبوية التي تقمع الراوي.
تظهر هذه الشخصيات بأشكال مختلفة لتؤدي أدوارا متنوعة، وكأن الكاتب يريد القول إن الأشخاص الذين نلتقي بهم في يومياتنا ليسوا في الحقيقة سوى شخص آخر، أو أننا نقابل الأشخاص أنفسهم بأدوار مختلفة، حسب ما تمليه الظروف.
وفي مقابل ذلك الاقتصاد في الشخصيات، حملت الرواية داخلها عشرات القصص الساخرة حينا، والغرائبية حينا آخر، حيث تختفي ملامح المكان والزمان من الرواية، غير أن القارئ يتبين بسهولة أن المكان هو الجزائر، وأن الزمان هو الحاضر.
صوت الرّفض
ليس الراوي سوى نموذج للشاب الجزائري الذي يرغب في أن يحرر ذاته من قيود الماضي، ويحتكم إلى اللحظة التي يعيش بكل احتمالاتها، إنه يقبل أن تشوش عليه كوابيسه هو، أما أن تشوش عليه كوابيس جده، فهو أمر يبغضه.
ويطرح حاجي الجدّ صوتا يرغب في الهيمنة على الوضع، حيث أجبر حفيده على التعايش مع "الصرصور"، وضخم عقدته منه، حتى يبقى بحاجة دائمة إليه، ويلجأ -حين يدرك مقاومة الحفيد لهذه النزعة- إلى أن يتحول إلى كابوس يسكن أحلامه.
الرواية تدين الشرعية التاريخية التي يقوم عليها النظام السياسي والاجتماعي في الجزائر، وهي إن تجنبت أن ترصد ما أنجر عنها من خراب في الواقع، فإنها رصدت عميقا إحباطات جيل جديد في ظل مستقبل غائم.
لغة بصرية
تجنبت الرواية الوصف الخارجي، حتى تركز على استكناه الحالات النفسية للشخوص، ما يحيل إلى الأزمة الروحية للإنسان، وانتقت -بناء على هذا الخيار- لغة تربط القارئ بالحالة مباشرة.
لغة لا تسمّي بل تحفر، ولا تشير بل تدين، ولا تشرح بل تكرس الغموض، انسجاما مع رغبة الروائي في أن يعالجنا بالشك.
ويبدو أن الروائي الجزائري استفاد من تجربته في التدوين، وعلاقته المبكرة مع التكنولوجيا ووسائط الاتصال الجديدة، فحرر جملته من الزوائد اللغوية التي تشوش على أفق الحالة، وهي تجتهد في أن يتبناها القارئ عفويا.
نجح حاجي في أن يخط خطا جديدا داخل الرواية الجزائرية، في ظل نقاش غير رصين حول الترهّل الذي أصابها في عقديها الأخيرين. وفي "رواية أخرى" أرسل إشارة -مع أسماء روائية قليلة أخرى- إلى المتشائمين بهذا الخصوص، تعيدهم إلى "فسحة الأمل".
عن الجزيرة نت