الثقافي

"شمعة المسرح الجزائري" امحمد بن قطاف ينتقل إلى الرفيق الأعلى

صاحب "العيطة" و"قالو العرب قالو"

 

 

من بإمكانه أن ينسى  "العيطة" ، "قالو العرب قالو" ،  "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" من بإمكانه أن ينسى قوة النص وسحر التمثيل والأداء والطيبة، لقد كان أبا حنونا وحاضنا لكل المبدعين والفنانين ، من بإمكانه أن ينسى مسيرة رجل نال عديد الجوائز من أهمها جائزة مهرجان قرطاج الدولي للمسرح بتونس سنة 1987، من بإمكانه أن ينسى "امحمد بن قطاف". 

 

 

 

ها هو يغادرنا ونهائيا بدون رجعة واختار الانتقال إلى الرفيق الأعلى بعد معاناة مع المرض. رحل بن قطاف مساء أول أمس عن عمر يناهز 75 سنة إثر مرض عضال 

ودرس امحمد بن قطاف الذي ولد في 20 ديسمبر 1939 بحسين داي (العاصمة) بالمدرسة بقسنطينة، التحق بالاذاعة الوطنية في عام 1963 واشتغل مع واحد من رواد المسرح، وهو محمد ونيش ، إضافة إلى فنانين آخرين، وضع فيه ونيش ثقته واعطاه أدوارا مهمة لشكسبير ومولير، إضافة إلى أدوار بوليسية ساهمت كثيرا في تكوينه، وشارك في أكثر من 600 مسرحية. التحق بالمسرح الوطني كممثل وكان ذلك سنة 1966، وكان أول عمل له «ابليس لعور كاين منو»، كتب أول نص له بعنوان «حسنة وحسّان» وكان ذلك سنة 1975 التي أنجزها الفنان سيد أحمد أقومي . بعد التعددية وفي سنة 1990 أنشأ فرقة "مسرح القلعة" مع رجل المسرح زياني شريف عياد وانجز مسرحية "العيطة» التي بدأ كتابتها في بداية سنة 1988، وقدم العرض الأول يوم 5 أفريل 1989، وكانت من أنجح مسرحياته، وقدمت في الجزائر في حوالي 180 عرض، زيادة على عروض أخرى خارج الجزائر، ونالت الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج. وكانت انطلاقة جديدة في كتاباته المسرحية، ثم جاءت «فاطمة» وغيرها . ألف بن قطاف زهاء 15 مسرحية كـ"جحا والناس"(1980) "موقف مستقر" (1995) اضافة الى "فاطمة ضجيج الاخرين" سنة 1998 . تألق امحمد بن قطاف كممثل كوميدي بأدائه ادوارا في اعمال رجال المسرح الجزائريين (كاتب ياسين ولد عبد الرحمان كاكي ...) او مسرحيات عالمية لشيكسبير ، موليار وبراشت.

 

 

«الشهداء يعودون هذا الأسبوع» 

في إحدى حواراته يعود بن قطاف الى مسرحية " الشهداء يعودون هذا الاسبوع " والتي اقتبسها عن قصة للروائي الراحل الطاهر وطار ويقول بن قطاف عن المسرحية " أذكر أن الراحل الطاهر وطار كان قد حضر العرض الأول وأعجبه كثيرا، وقال لي مازحا «لقد قتلتنا بالوطنية». " الشهداء يعودون هذا الاسبوع " قصة يتغلب عليها الطابع الوطني وكان الناس فيها تقريبا كلهم طيبين. أضاف بن قطاف للنص شخصية "خديجة" التي لم تكن في النص الأصلي. الشيخ العابد يذهب إلى المحطة ينتظر القطار، كذلك يفعل شيخ البلدية وأعوانه. الشيخ العابد ينتظر ولده الشهيد، أما شيخ البلدية فكان ينتظر مسؤولين قادمين من العاصمة. الشيخ العابد شخصية «ثقيلة» يموت في النهاية، لان القطار المنتظر لا يتوقف عند تلك المحطة، مع أن التحضيرات كانت متقدمة في البلدية من خلال الأعلام واللافتات والتنظيف، وفي النهاية يقف الشيخ العابد في وسط السكة الحديدية من أجل أن يوقف القطار لكن القطار يدوسه في النهاية. 

 

 

علامة فارقة في المسرح الجزائري 

يختزل الواقع ويتنبأ به، من خلال مسرحياته سواء كانت كتابة أو إخراجا، معظم أعماله هي نقد للفساد الحاصل للمجتمع ليس فقط للنظام أو الأسرة الحاكمة بل تطرق أيضا إلى كافة المجتمع. كان ينتمي امحمد بن قطاف إلى مسرح الطلائعي الذي يستشرف من خلاله ما يحدث في المستقبل من خلال الواقع، محاولا بذلك مخاطبة عقل المتلقي ونقد واقعه استباقيا، وهذا ما حدث في مسرحية " العيطة"، التي ألفها وقام بإخراجها وشاركه في العمل كل من الفنانة صونيا والمرحوم عز الدين مجوبي الذي أعطى للعمل دلالة فنية وقيمة أدبية إبداعية عالية الجودة، أين أشار إلى أحداث أكتوبر 1988.

أكثر ما كان يعتمده بن قطاف في مسرحياته هو المرجعية الاجتماعية ويحددها من ناحية الزمان والمكان، الأسماء ويذكر المواقف وذلك بهدف محاكمة الواقع وتعريته أمام المتلقي، وكان يهتم ببناء الشخصية من الناحية الإيديولوجية وليس من الناحية السيكولوجية، اضافة لاستعانته بالخطاب المباشر مع الجمهور .

 

أفول نجم ودمعة حزن 

فنانون عرب ينعون الراحل

نعت حركة ابداع الفلسطينية الجزائريين في رحيل المسرحي امحمد بن قطاف ، وقالت الجمعية " رجل من رجالات الجزائر الأفذاذ ...امحمد بن قطاف فلسطين لن تنساك أبدا، ولن تنسى مواقفك الشجاعة شأن كل الجزائريين والجزائريات" . من جهته وصف الفنان المسرحي الأردني من أصل فلسطيني تيسير نضمي رحيل بن قطاف بالخسارة الكبيرة ، وبفقدانه فقدت الجزائر والأمة العربية ، رائدا كبيرا في المسرح . وقال تيسير نضمي: " ليس لنا آمال كبيرة سوى بالأجيال التي أضاءوا لها الطريق أن تسير على هديهم وخطاهم ليتسنى لنا تعويض الأمة العربية عن القامات العملاقة التي تفقدها يوما بعد يوم. " وقالت الممثلة المصرية وفاء الحكيم "رحم الله فقيد الأسرة الفنية العربية وعوضنا عن رحيل بن قطاف ، أبناءه الذي لم يبخل أبدا بمساندتهم ورحمة الله بقدر ما أمتع وأعطى من فنه وعمره". 

 

الناقد المسرحي حسن تليلاني:

"أكثر ما يشدك في بن قطاف بساطته"

وقال الناقد المسرحي حسن تليلاني إن دراسته للمسرح واشتغاله كمراسل صحفي ساعده في الاقتراب من الفنان الراحل امحمد بن قطاف . وعبر تليلاني عن اعتزازه كثيرا بالحوار الذي أجراه مع الفنان أمحمد بن قطاف وقد جاء ليقدم مسرحيته الشهيرة الموسومة بعنوان ( العيطة ) في إطار الأيام المسرحية لمدينة سكيكدة . وأضاف تليلاني أن أكثر ما يشدك في شخصية هذا الفنان القدير بساطته الصادقة ، وحنوه عليك ، إلى درجة شعورك بأنك تعرف هذا الرجل منذ سنوات خلت. 

 

المخرج المسرحي جمال قرمي:

"رحيل بن قطاف خبر قاسٍ نزل علي كالصاعقة": 

قال جمال قرمي بأن كل مسارح الجزائر تئن حزنا على رحيل بن قطاف وكل الاصدقاء يذرفون الدموع والذكريات فيما بينكما تطفو على سطح الذاكرة. وأضاف قرمي "والله يا أبي كنت خير سفير للعزيزة الجزائر.. فمنك أحببناها وبك عرفناها.. لن أبكي إبداعك ككاتب ومخرج ومدير ومحافظ لأكبر مهرجان مسرحي في الجزائر.. لكنني أبكي إنسانيتك التي كانت تحيطنا حتى ولو لم تكن موجودا.. يكفي أننا نعرف بوجودك تتنفس الهواء الذي تتنفس.. يا أهل الجزائر والله إن لنا معكم رحما ومودة وإنسانية فلا تقطعوها بوفاة هذا النبيل."

 

الروائي واسيني الأعرج:

"كم هي الخسارة كبيرة برحيل بن قطاف" 

"وفاة المسرحي الكبير محمد بن قطاف ومدير المسرح الوطني، كان الخبر جافا الذي وصلني فجر اليوم من صديقي المسرحي ناصر وهو يقول محمد بن قطاف توفي " بهذه العبارات تحدث واسيني الاعرج عن خبر وفاة المسرحي الكبير امحمد بن قطاف. واضاف واسيني " شعرت بان هذا الصباح ليس لي واني لا اعرف لا الشمس التي لم تشرق حتى اللحظة ولا صوت البحر ولا حفيف الشجر في هذا الفجر الشتوي القاسي." " كم هي الخسارة كبيرة وكم أن الدنيا قاسية تعطينا دائماً الانطباع بان من نحبهم لن يموتوا أبدا." وقال واسيني الاعرج " في القلوب يا محمد وفي المسرح وأنت تملأه بصوتك الجهوري الذي خف قليلا في السنوات الأخيرة بسبب المرض القاسي. نحبك. ولأننا نحبك سنجعل ستار المسرح يرفع هذا المساء وفي الأيام القادمة. "

 

 

وزارة الثقافة تعزي عائلة بن قطاف

فور تلقيها خبر وفاة المغفور له بإذن الله شيخ المسرحيين العرب امحمد بن قطاف، تنقلت وزيرة الثقافة خليدة تومي الى المستشفى العسكري بعين النعجة لإلقاء آخر نظرة عليه وتقديم واجب العزاء للعائلة وللتأكيد على مدى اعتزازها وافتخارها العمل مع المرحوم وما تكنه له من احترام وتقدير ومحبة. وكانت تظهر على وجهها ونبراتها علامات حزن كبير والم شديد وهي تؤكد للعائلة دعمها ووقوفها الى جانبهم في هذا المصاب الجلل ورافق الوزيرة المدير العام لديوان الثقافة والإعلام لخضر بن تركي وبحضور اطارات المسرح الوطني الجزائري وأقارب الفقيد. 

 

 

من نفس القسم الثقافي