الثقافي

كاسبر هوزر أو مأساة شاب ألماني

المهرجان الدولي للمسرح ببجاية

 

تروي قصة كاصبر أو كاسبر أو كاسبر كما يطلق عليه في لغات مختلفة مأساة ذلك الشاب الذي عثر عليه عام 1828 وهو يتسكع في طرقات مدينة نورمبرغ بألمانيا في حالة يرثى لها شبه عار وأبكم والذي حاول المتشبثون بالتقاليد والمدافعون عن النظام القائم آنذاك إعادة إدماجه في المجتمع حيث قاموا بإخضاعه لأشد أنواع العذاب المعنوي. ويبدو من خلال هذا العرض المسرحي الذي قدم في سهرة يوم الخميس في إطار فعاليات الطبعة الـ5 لمهرجان المسرح الدولي لبجاية أن هذه المحاولة باءت بالفشل كون كاسبر اضطر " طيلة حياته للعيش حياة لاإنسانية داخل قبو معزول ومظلم قبل أن يبوح ببعض أسراره على ضوء التجارب التي خضع لها في المخابر على يد " مربيه" .

فقد استعاد الرجل استخدام النطق وأصبح يتصرف مثل " قرد في غاية الذكاء" إلا أنه كان يشعر بالحرج حيث أنه كلما تعلم المزيد كلما تقلصت رقعة عالمه في عينيه. فبتحصيله على اللغة أصبح يستعمل قواعد اللغة السائدة في المجتمع لكن دون فهم أسسها ومعانيها. كما أن الخطب التي سمعها بدت وكأنها لا تحمل معنى حقيقيا. ففي نظر محيطه الذي بذل جهدا كبيرا من أجل صقله هوية اجتماعية وإشباعه بالمعايير فإنه بقي على حالته في شخصية كاسبر الذي يعني بالألمانية "المهرج" أو شخص لا قيمة له.

يتميز نص العرض المسرحي بعمق معانيه. وقد امتنع المخرج روبرتو شيولي عن تقديم درس حول مقاومة الأعراف ضد الامتثال وترك هذه المهمة لبطلة المسرحية التي قامت بعرض الآلام وأنواع العذاب التي عايشها هذا الشخص. يشار إلى أن قوة العرض لا تكمن في الحوار القليل بل في صلابة وبرودة المشاهد المقدمة في أجواء تشمئز منها النفوس وسط ديكور شبيه بعيادة للأمراض العقلية حيث لا يرى المتتبع للعرض سوى صورة امرأة نحيفة ضعيفة تخضع للتجارب على يد رجال يضعون قبعات وهمهم الكبير الرقي بها إلى أعلى درجة في المجتمع. ولعل أفضل صورة معبرة عن ذلك تلك الساعة المعلقة على الجدار وعقاربها متوقفة معبرة بذلك عن توقف الوقت والأفكار أو ذلك الجزء من سكة حديدية لا ندري من حيث أتت ولا إلى أي وجهة تسير. إن هذه الرائعة المسرحية لكاسبر "يتيم أوروبا" تجعل من هذه القصة الواقعية أسطورة. وما زادها رونقا النص الموقع من طرف بيتر هندك وإخراج روبرتو شيولي يضاف إلى ذلك الأداء الرائع لفرقة الفنانين التابعة لـ" ثياثر أن دار روهر" لمدينة مولهيم الألمانية.

ق.ث

 

 

من نفس القسم الثقافي