الثقافي

"أكثر من يحاول إخافتنا من بعبع يدعى "الفرنكفونيين" هم "وحيدي اللغة"

الروائي سمير قسيمي لـ"الرائد":

 

هو أديب جزائري شاب بزغ اسمه عاليا في سماء الرواية العربية واستطاع بإبداعاته المتجددة المتجلية في أعماله، آخرها رواية "الحالم"، أن يصنع لنفسه اسما ثقيلا رغم العراقيل التي اعترف بها، خلال هذا الحوار لجريدة "الرائد" ، حيث أفضى فيها عن همومه الأدبية التي يكابدها في ظرف يصف الصراع القائم بين الأدب المعرب والمفرنس في الجزائر بالوهم، وأن الذين يدعون إليه هم مجرد "وحيدي اللغة."

 

عدتَ مؤخرا من إمارة الشارقة بعد مشاركتك في برنامج ثقافي ونقاش حول راويتك الاخيرة " الحالم" فكيف كانت الأصداء؟

 

صحيح، فقد دعاني تلفزيون الشارقة مشكورا لأحل ضيفا على حصته المرموقة "في حضرة الكتاب"، وهي كما تعلم واحدة من أهم الحصص الأدبية في الوطن العربي، نظرا لوزن ضيوفها وكذا بفضل الامكانات التي تسخرها القناة، كما أن الحصة تعرف بتسخيرها لبعض أهم النقاد العرب لإلقاء الضوء على الكاتب وكتابه. أعتقد أنني كنت محظوظا بالمستوى الرفيع للحصة وهو ما وقف عليه جميع من يتابعها.

 

 بعد "الحالم" فيما يحلم سمير قسيمي او بالأحرى كيف ستكون الرواية القادمة ونحن على مشارف الصالون الدولي للكتاب؟

 

لنقل أنني أحلم بالمزيد من الكتابة، بالرواية التي أسميها "الرواية التي لا تتشبه". الكتابة بالنسبة لي أسلوب حياة، لا علاقة له بالصالون الدولي للكتاب ولا سواه. فضلت هذه السنة أن أتمهل ولا أصدر شيئا، رغم انتهائي من عمل وإقبالي على آخر، يمكنني القول إنني أنهيت ثلثه. أرغب أن أمنح نفسي بعض الوقت للترويج لأعمالي السابقة، وقد بدأت ذلك منذ مشاركتي في برنامج تواقيع بأبو ظبي، وبرنامج "في حضرة الكتاب" بالشارقة، وسأتمكن عما قريب من الترويج له في موسكو/ وأبو ظبي من جديد، كما وصلتني دعوة للمشاركة في ملتقى الرواية الغربية بأغادير. في الفترة الأخيرة وصلتني العديد من الدعوات من الخارج ، وهي فرصة للسياحة والوقوف على أعمالي السابقة التي تلقى رواجا نقديا معتبرا، على عكس ما هو حاصل عندنا هنا حيث الإقصاء يعتبر أهم ما يميز الساحة، فبقدر ما تسعدني هذه الدعوات بقدر ما أشعر بالأسى والحزن لتجاهل الداخل لي، لا لسبب محدد بل لأنني صريح وواضح في تصرفاتي، ربما تكون هذه ضريبة الصراحة والمواقف والمبادئ التي أقول بها.. لا أدري. المهم أشعر بالأسى على الذين يتواجدون في الجهة المقابلة، أقصد جهة الحقودين والمرضى بقلوبهم. هنا، لا بد لي أن أشير إلى نقطة بعينها، وهي المراسلات التي تصلني من بعضهم يسألونني فيها عن روايتي الجديدة، هذا جميل ولكن المؤسف أنني حين أسألهم إن قرأوا أعمالي السابقة يجيبون أن "لا". هذه الإجابة جعلتني أتريث في نشر جديدي، فقد تكون هذه فرصة لهؤلاء لقراءة ما فاتهم من أعمالي، كما أنني أردت من خلال التريث أن أبعث برسالة واضحة إلى من يعتقدون أن الروائي عداء ويجب عليه أن ينافس في كل سباق ليثبت جدارته. شخصيا أحب التنافس ولكن ليس عن فراغ، أحسب لخطواتي جيدا، وأعتقد أن إصداري القادم الذي اخترت له عنوان "حب في خريف مائل" سيكون انطلاقة جديدة في مسيرتي، لا أحب أن أعيد نفسي، ولا أحب الزخم الإعلامي الذي يخلقه معرض الجزائر مثلا، فهو لا ينفع القراءة الجيدة ولا يسمح للناقد بالتركيز على ما يصدر، وقد يختلط الحابل بالنابل فلا يميز الجيد، المتميز عن الرديء. الحمد لله تمكنت في ثلاث سنوات ونصف من كتابة وإصدار خمسة أعمال جيدة، بل بعضها تفرد تفردا ظاهرا، حتى يمكنني أن أقول إن طريقا أصبح أكثر وضوحا ويمكنني الآن أن أسير عليه بكل طمأنينة للوصول إلى ما أبتغيه: أقصد الكتابة والمزيد من الكتابة المتفردة والممتعة.

 

تردد كلام من هنا وهناك على انك بصدد كتابة الجزء الثاني لروايتك "هلابيل" فهل لنا ان نعرف تفاصيل الجزء الثاني؟

 

أعمل عليه منذ سنتين تقريبا، وكما قلت أنا في ثلثه الأول، أما التفاصيل فلندعها في أوانها. كل ما يمكنني قوله الآن إنها ستكون إضافة إلى السرد العربي، وقد نشرت شيئا منها ولقي ما لقي من صدى.

 

 اركت العام الماضي في مسابقة البوكر ولم تفلح في دخول القائمة وقد كنت من المشككين في نزاهة الجائزة فهل لك ان توضح لنا الامر؟

لم أشكك في الجائزة بل في المعايير التي احتكم إليها محكمو الدورة السابقة. بصراحة كنت أملك موقفا متشككا من هؤلاء، ولكنني بعد زيارتي لأبو ظبي في معرض الكتاب وحصولي على روايات القائمتين، زال هذا التشكك وأصبح يقينا يقول بصراحة "أي معايير طبقت لوضعها"، هناك روايات في القائمتين تستحق مكانتها وهي ثلاث لا أكثر أما البقية فلا تستحق حتى ولوج الطويلة. هذا رأيي ويمكنني المناظرة بخصوصه. كل ذلك لا يعني التشكيك في الجائزة كما قلت، بل شئنا أم أبينا أصبحت البوكر أهم جائزة عربية تعنى بالرواية، وقد سمحت لنا بالتعرف على كتاب وكتب ما كنا لنعرفهم لولاها. أنا شخصيا أعترف بفضلها عليّ.. لكن الاعتراف بالفضل لا يلغي حقي في النقد كما أن الإشادة لا تمنعني من قول رأي في لجان تحكيمها ومستواها ولا التساؤل بخصوص معاييرها.

 

 وصلتنا اخبار عن عزمك المشاركة في مسابقة الشيخ زايد فهل الأمر صحيح؟

 

ما دمت لم أعلن ذلك ولم تعلنه دار نشري، يبقى مجرد خبر. ولكن أية أهمية في ذلك، أعتقد أن ثمة من الأمور التي تطرحها أعمالي المنشورة ما يجعلنا في منأى للحديث عن ترشحي أو عدم ترشحي الذي يبقى شخصيا أولا وأخيرا.. في اعتقادي أن أهم ما يسيء للساحتين الإعلامية والأدبية في الجزائر، اهتمامهما بهامش الحدث على حساب الحدث، وعلى التفاصيل قبل الصورة الكاملة، الحدث هو ما أكتب أما الهامش فهو ما أصنع بما أكتب.. الصورة الكاملة تتعلق بالرواية التي أكتب أما التفاصيل فكل ما يتعلق بالروائي الذي هو أنا.

 

هل أنت ممن يكتبون للجوائز وكيف ترد على من يقول بأن هذه الجوائز خاصة المقامة في دول الخليج ، أصبحت بلاء على المبدع العربي؟

 

لو كنت كذلك لأصدرت روايتي وشاركت بها في البوكر مثلا، أتعرف عدد دور النشر التي تتصل بي للنشر لديها؟ وجميعها ترغب في ترشيحي لأحدى الجوائز، لو كنت من هذا النوع لقبلت. عليك أن تفهم صديقي أنني لا أكتب لأشتهر أو لأصل إلى أي مستوى مادي أو معنوي، أنا أكتب لأنني أحب الكتابة، لأن الكتابة متنفسي، ولأنني مؤمن أنني ولدت لأكتب ما لم يكتب بعد. لست مجرد اسم يوضع في قائمة ولا حصّالة نقود تافهة، أو رجلا أنيقا بملابس شحذها. أنا كاتب وتعجبني من كل الأوصاف وصف روائي.. لا أكثر ولا أقل. أما قولك إن الجوائز خاصة المقامة في دول الخليج أصبحت بلاء على المبدع العربي، فهو حكم جائر تماما، هي بلاء على المبدع المناسباتي وليس على الكاتب الحقيقي الذي يكتب بلا سبب محدد غير متعته الشخصية. في الحقيقة أرى أنه عوض انتقاد الجوائز العربية علينا أن ننتقد وزارتنا "العظيمة" و"الثرية" وصاحبة المشاريع الكبيرة جدا جدا، في عدم قدرتها على إنشاء جائزة محترمة أو حتى مجلة أدبية أيا كان مستواها. السؤال الحقيقي هو: "لما لا نملك نحن جائزة تعنى بالأدب؟"، لماذا لا نملك سياسة ثقافية تضع الكاتب في الواجهة؟.. لماذا يعامَل الكاتب معاملة المهرّج أو أقل؟.. أعتقد أنها أسئلة أجدر بالطرح ألا تعتقد؟....

 

أصبح اسم سمير قسيمي يعلو في سماء الادب العربي نظرا للأعمال التي يقدمها اخرها رواية "الحالم" وستشارك في إحدى الفعاليات الادبية بروسيا، فهل لك ان تحدثنا عن هذه المشاركة؟ 

لا وجود لأي سماء في الرواية على عكس الشعر. الرواية الجيدة هي التي تغوص في وحل الواقع من دون أن تخشى من قذارته، أما الرواية السيئة هي التي تستمد وجودها من محاولاتها اليائسة في التحليق على أرض الرواية وعدم الاضطرار للنزول إلى أسفل، لذلك فأنا أبعد ما أكون من التحليق، أما بخصوص سفرياتي إلى كل من أغادير، وموسكو وأبو ظبي، فسأحاول هناك الترويج لأعمالي، ربما ستكون بوابة للترجمة التي لا غنى لأي روائي عربي عنها، وإن لم يحصل فسأكون سعيدا بتواصلي مع الجالية العربية هناك، لا سيما وأنني أملك عددا معتبرا من الأصدقاء هناك، ستكون فرصة للقائهم. ما يعجبني في هذا النوع من الدعوات أنه يعبر عن مدى اهتمام القارئ العربي بالرواية الجديدة أينما تواجد، حتى في بلاد الغربة.

 

هل يعرف سمير قسيمي ماذا يقال عنه في الساحة الادبية خاصة في المجال الاعلامي وماذا عن حقيقة تكبره وصراعاته مع بعض الاطراف خاصة الوزارة الوصية؟ 

 صدقني أنا أحب الجميع ومن المفزع أن يخترع الناس أسبابا لبغضي، خصوماتي ليست شخصية فلا علاقات شخصية تربطني بالعالمين الأدبي والإعلامي. أما إذا كان بغضهم لي بسبب صراحتي فهو أمر يسعدني ويظهر الضعف فيهم، لأن من عادة الصراحة أن يحتفى بها لا أن يتم استعداء صاحبها. أما بالنسبة للوزارة الوصية فموقفي واضح من القائمة عليه ومن السياسة التي تتبناها وتستمر في اتباعها، فالنتائج واضحة وهي تماما كما كتبت في رسالتي "إنهم يقتلون الكتاب باسم فخامتكم"، أما موقف هذه الوزارة مني فلا أهتم به، لأنه من الغباء أن يهتم الكاتب برأي السلطة فيه أو بحب أو كره أتباع السلطة له، يكفيني حب قرائي لما أكتب، والأهم احترامهم لكتاباتي وإن لم يحبوني. الأكيد أن حتى من يصفني بالمتكبر أو حتى العدائي هم أول من يعترفون لي عادة، وهو أمر يضيف لي ولا يحتسب ضدي.

هل تؤمن بوجود لوبي فرنكفوني يتحكم بالساحة الثقافية والأدبية خاصة؟

 

وجود لوبي فرنكفوني من عدمه حديث "ثمانيني" لا أكثر ولا أقل. الساحة الثقافية لم يعد يؤثر فيها هذا الأمر، علينا أن نكون فخورين بتعدد ألسن كتابنا وليس العكس. أعتقد أن أكثر من يحاول إخافتنا من بعبع يدعى "الفرنكفونيين" هم هؤلاء "وحيدي اللغة" العاجزين عن تعاطي لغة أخرى غير العربية، هؤلاء متعصبون والتعصب والتطرف لا يولد إلا التعصب والتطرف. شخصيا أحب أن أتحدث باللغتين والقراءة بهما، بل وأغار من كل روائي يكتب باللغتين. لا يخشى على الساحة الثقافية من الفرنكفونيين بل من اصحاب المصالح الذين تعج بهم ساحتنا الثقافية بسبب واحد لا غير هو انعدام سياسة ثقافية حقيقية في الجزائر، وهو ما أنادي إليه منذ سنين. هناك أمر آخر، وهو رأي شخصي بالمناسبة، فعادة ما يقول بوجود هذا النوع من اللوبيات اللغوية من لم يستطع فرض نفسه بلغته فيتهم كتاب اللغة الأخرى بالتشويش على أدبه وعدم منحه الفرصة، الكاتب الجيد جيد بأي لغة كتب وإن كانت اللغة "البطرفية".

 

حاوره فيصل شيباني

من نفس القسم الثقافي