الثقافي

الشاعرة ميمي قدري تحاكي قصص زهور في خيال الحب

ضيف جديد يحل على المكتبات الوطنية الجزائرية

 

حل مؤخرا على المكتبات الوطنية الجزائرية آخر إصدارات الشاعرة ميمي قدري التي لخصتها في مجموعة قصصية موسومة بعنوان "زهور في خيال الحب" ، والتي عالجت من خلالها مجموعة من المواضيع الاجتماعية النابعة عن عصارة تجارب عاشتها الأديبة في مجتمع مليء بالأحداث التي ترقى في طي الكتمان. وما يميز أسلوب السرد في هذه المجموعة القصصية أن القاصة تعي تماماً وبذكاء لعبة تحريك الكلمات في رسم واقع معاش ممزوج بنكهة خيالية وليس خيالاً محضاً وذلك ما أضفى عذوبة وروعة على تصوير المواقف مما ساعد في إخراجها واضحة الملامح مظهرة لمسات روح الكاتبة، وهي تبكي وتضحك وتفرح وتحزن، وهي روح خفيفة متعاطفة في كل أحوالها حيث أنها تتأثر سريعاً بكل مصاعب الحياة التي عاشتها وسط مجتمع كثير العادات البالية والتقاليد المجحفة لتنعكس مرآة ذلك المشاعر الواردة في القصة. القاصة تكتب بتلقائية، لأنها تدرك أن الجمال الطبيعي أكثر جاذبية وأن المتلقي الذكي قادر على استصفاء الهجين من الأصيل، فلم تذهب بذلك إلى التكلف في صياغة العبارة لتأتي عبارتها منسجمة صادقة مع ما تعيشه في نفسها وما تريد التعبير عنه دون الانسياق خلف الديباجات البلاغية أو استعراض محسنات لغوية وإنما يكمن العمق في البساطة الساحرة، خاصة مع الحفاظ على طبيعتها الهادئة والرومانسية كأنثى، متخذة من عباس محمود العقاد نموذجا في كتابتها السهلة الممتنعة. فمنذ عنوان المجموعة "زهور في خيال الحب"، تحاول القاصة أن تطمئن القارئ وهو على عتباتها الأولى وقبل أن يدخل عالمها أنك سوف تدخل إلى عالم من الزهور فلا تكن قلقاً جدا مما ستراه، لكنها لم تلبث أن نقضت غزلها حين وقعنا على الكثير من المرارة واللوعة القابعة في قعر روحها وكأنها تستدرج القارئ ليشاطرها كنوز الألم في عوالمها دون أن تفصح له مباشرة حيث تفتتح قصتها الأولى بالمعاناة في قولها (لم أنسَ طفولتي ولا ابتسامتي بالرغم من شقائي المتواصل في العمل.. كانت النشأة في البراري مع الذئاب والضباع .. وهكذا تتواصل الرحلة في شواطئ المجموعة، وإن كانت السردية الجميلة تخفف وطأة الألم وتقصر عمر الأحزان إذ جاءت الصياغة المبدعة شفيعة لتمرير الهموم. ولنلقي الضوء بشكل سريع على بعض عناوين المجموعة لنجد ذلك ماثلاً جلياً "أنين اللقاء" ، "مقبرة الروح" ، "اغتيال براءة"، "زهور على مذبح الحب" ، "نزيف الصمت" ، "دماء الوطنط، "تختنق الآه بين نتوءات الروح"، "أنا والسرطان"، "الزجاج المشروخ"، "صفعة الحقيقة". هي عناوين موغلة في الوجع ويستطيع القارئ أن يؤولها بألمه ويقرأ ما وراءها سر من أسرار الألم وإن لم يضع يده عليه تماماً. المجموعة، لا يمكنها إلا أن تثير الدهشة في نفس من يعانقها طويلاً ،وقد يسهل الدخول إلى عالمها لبساطتها ولكن يصعب الخروج منها لعمقها، فكل قصة وحدها تستحق أن يكتب عنها الكثير سواء من حيث الموضوع الذي تتناوله أو من ناحية اللغة والأفكار التي تنشرها المؤلفة في ذهن المتلقي وكلها عصارة تجارب تحكي عن صاحبتها معاناة مجتمع لا يرحم. لا تحاول هذه المجموعة أن تجنح تجاه التأمل المطلق بالكون والغيب ،فتلك عملية مرهقة وإنما تحاول التلامس اليومي وتتعاطف مع البشر المهمشين عن السعادة والفرح، كقصة (نزيف الصمت ) وما تخللها من وصف للحالة المرضية المؤلمة، فهي قاصة لا تعرف مهادنة الحياة ولا ترضى بسهامها القاتلة ولكن لا تملك أمام وحشية هذه الحياة سوى ترويضها بالكتابة ومحاولة الألفة وإن صاحبتها وخزات الوجع التي صنعها المجتمع الذي تعيش فيه.

فيصل.ش


من نفس القسم الثقافي