الثقافي

"المشهد الثقافي الجزائري يتّسم بالرّتابة لأن المثقفين لم يخلقوا ديناميكية تربطهم بالقارئ"

الشاعر بغداد السايح لـ "الرائد":

 

كشف الشاعر بغداد السايح في هذا الحوار الخاص مع جريدة "الرائد" عن عديد الأمور التي تعرقل تطور المشهد الثقافي في الجزائر كما تطرق الى يومياته في الشهر الفضيل.

 

 

أولا كيف ترى المشهد الشعري في الجزائر؟

المشهد الشعري الجزائري يتّسم بالرّتابة (الروتينية)، ذلك أن الشعراء الجزائريين لم يتمكنوا من خلق ديناميكية تسمح لأشعارهم بالتدفّق إلى القارئ عبر قنوات متجددة بعيدا عن الملتقيات العشوائية والمنابر الظرفية، والمؤكّد أنه حتى بحضور الشعر الجيّد فالصراعات بين مختلف الأشكال الشعرية سيعرقل سيرورة الشعرية الجزائرية، فلا أتفاءل بهذا المشهد بوجود صراعات حتى على نطاق شخصي بالرغم من وجود إبداع حقيقيّ.. هذا الإبداع كان سببا لتنامي الأحقاد في الأوساط الأدبية مع وجود محاولات يائسة لإقصاء بعض الأسماء. 

 

 طفا إلى السطح ظاهرة اصطياد الجوائز كيف تصف هذا؟

انتشار ظاهرة اصطياد الجوائز له أسبابه المعقولة فالجوائز الأدبية الجزائرية كما هو معروف تخضع لمعيار هام ألا وهو العلاقات الحميمية بين المتقدّم للجائزة وبين المشرفين عليها، وبالتالي نجد مشهدا بائسا لبعض الجوائز التي انكشفت خيوط لعبتها وهي تكرر نفس الأسماء دون تطبيق لقوانينها كما أن بعضها رغم رعايتها من جهات رسمية نجدها تخضع لنزوات أعضاء لجنة تحكيم فيها لا علاقة لهم بالنقد الأدبي، كما أن هناك جوائز تضحكني كثيرا حين أرى الأسماء المتوجة فيها نسوية خالصة تحيل إلى جانب عاطفي معيّن.

 

متى نرى جديد الشاعر بغداد السايح وحول ماذا تدور مواضيع الديوان الجديد؟

الحقيقة أنني أقف بين عدة مخطوطات شعرية ولكن أقربها إلى الطبع "كنغمة البحر.. أو أعمق" والذي أراه حاليا تحت الطبع.. وهو في الحقيقة ابتعاد عن تيمة الوطن، اقتراب من الذات، سمفونية شعرية أبدعُها بالتموقع في خارطة ذاتي، أنهل منها عنفوان الكلمة والإيقاع والرؤية، وأؤرخ لسيرورة إبداع النغمة الوتريّة لاختلاق الصفاء، وهي في كنهها مزج بين الرغبة واللارغبة، بين الحزن والفرح، بين الصحو والهذيان..في ضوء هذه الالتفاتة القويّة، يعترف الشاعر أنه وليد الواقع أولا، وينحو منحى التعامل مع مشاكله بعفويّة ويقين صادق شفّاف واضح.

 

 لماذا يميل أغلب الشعراء إلى "الغزل" في الكتابات الشعرية؟ 

الشاعر الذي لا يجيد المغازلة هو رُبع شاعر..أصل الشعر وردة يقدمها الرجل لأنثاه فالغزل الضمنيّ هنا كان سببا لتدفّق المشاعر من ذات مبدعة نحو طرف نغازله ونمنحه النبض والوجد، فالشاعر يكتب الغزل إيمانا أن الأرض والقصيدة والهويّة والحضارة والطبيعة والحبيبة أنثى لا تفهم من اللغات إلا ما تضمّخ بأطايب الغزل، لذا كانت الكتابة في هذا الغرض أجمل مغامرة عند المبدع وهو يحاول رسم ملامح مثالية عن محبوبته التي تحتضنها مرايا القلب وتغرسها المحبّة في سويدائه..الغزل يجسد أن قول الشعر للرجل وسماعه للمرأة.

 

كيف يؤثر الإعلام في مسار الكاتب؟

الإعلام سيف ذو حدّين فتراه يرفع كاتبا فارغا ينفخه بالغرور مثل بالونة نحو السماء سرعان ما تفاجئها إبرة الواقع فتنفجر، ومن جانب آخر فإن الكاتب مهما اجتهد في إرساء بصمة إبداعية جميلة لا يمكنها تحقيق النجاح الأدبي ما لم يقترن ذلك بإعلام محترم يسمح له بتدوين اسمه وتدويله، لذا يبقى الإعلام بما يخلقه من منابر للكاتب وما يقدّمه له من مميزات التواصل الفعلي مع القارئ ركنا أساسيا من أركان العملية الإبداعية والتي إذا تهاوى منها ركن سقطت في غياهب النسيان.. الجدير بالذكر أن هناك إعلاما ما زال يحترم الكلمة ويناصرها.

 

ونحن في شهر رمضان لماذا تغيب الأمسيات الأدبية في الوقت الذي نشهد العديد من السهرات الفنية؟

الأمسيات الأدبية تغيب ليس في الشهر الفضيل فحسب وإنما يكون شبه الغياب على مدار السنة ذلك أن ثقافة تشجيع المبادرات الإبداعية الأدبية في تراجع رهيب، حين تحدثني عن وجود السهرات الفنية فأقول إن ذلك لا يفاجئني ما دام الأمر توفّر له كل الإمكانات الماديّة والمعنويّة ويحظى بتغطية إعلامية واسعة النطاق، أما بالنسبة للأمسيات الشعرية فهي تنعدم تماما لولا المبادرات الفردية من الشاعر أو المبدع أو من طرف بعض الجمعيات المهتمّة على قلّة وسائلها، ففي جزائرنا الحبيبة يقتصر النشاط على الغناء والرقص والتطبيل.

 

 كيف تمضي شهر رمضان؟

أرى أن هذا الشهر بالنسبة لي كمبدع يمرّ محمّلا بخيراته وبركاته، بحيث أجدني خلاله غزير الكتابة، متوقّد القريحة، حاضر الشعرية، ذلك أن الروح تتحرّر فيه من سلطة الجسد فتسبح في فضاء رحب للإبداع الجميل وللصفاء الوجداني..بعد التراويح أدخل عالما إبداعيا تتجلى طقوسه والليل يسدل ستاره على مدينتي لالة مغنية فأنطلق بالكلمة إلى بساتين القلب الغافية فوق ضفاف المشاعر المتدفقة الرقراقة.. أقطف من شجر الإحساس ثمار الدهشة والإبهار عابرا خيالي الممتد جسورا أمام بهاء الزمان المتضمخ بالأدعية الرمضانية الشذية.

 

هل أنت من الذين يتنرفزون في هذا الشهر؟

لا.. بالعكس أجدني في أريحيّة هادئ الأعصاب جدا، أتحلّى فيه بهدوء وبعفوية وبسلاسة لأكون في مستوى هذا الدفق الروحاني الجميل .. هي أيام رمضانية مباركة أسعى فيها إلى تجديد ذاتي والبحث عني عبر مطالعة أكبر للكتب وكذلك حين تلاوة القرآن بمعدّل ستّة أحزاب يوميّا لختمه ثلاث مرّات، وللحقيقة والتاريخ أقول إنني سعيد جدا لحلوله في يوم ميلادي الثلاثين متمنيا أن أصوم ثلاثين يوما فيغفر الله لي بكل يوم منه ذنوب عام كامل عشته.. إنني أمرّ بأوقات طيبة تُبعدني عن النرفزة والغضب وتقرّبني من العبادات والطاعات. 

 

ما هي الأكلات المفضلة عندك؟

كل ما تطبخه والدتي الكريمة مفضّل لديّ فهي تجيد الطبخ وتسعى دائما إلى إرضاء جميع الأذواق.. طبعا هناك أكلات خاصة بهذا الشهر جرت العادات والتقاليد على اعتبارها أساسية في الموائد الرمضانية وهي الحريرة، ذاك الحساء الذي يحوي مختلف العقاقير وما طحن من خضروات ولحوم، كما أن هناك بعض الأكلات الأخرى مثل " البوراك" المحشو بمطحون اللحم وبعض المكونات اللذيذة، وكذلك نجد أنواعا من الحلويات الشهية نطلق عليها مسمّيات "الشاميّة"، "باقلاوة"... وعلى العموم هي أكلات يتمّ اختيارها وفق ذائقة المتناول لها.

 

 ماذا تقرأ في رمضان؟

أقرأ ذاتي وأحاول مراجعتها جيدا فهذا الشهر محطة لتجديد الصلة بالخالق على وجهها الصحيح.. أقرأ أيضا وباستمرار القرآن الكريم بمعدل 12 صفحة دبر كلّ صلاة لأجل ختمه ثلاث مرات.. أقرأ أيضا بعض الكتب المهتمة بشؤون لغتنا الجميلة لأن ذلك يفتح لي أبواب الفصاحة مثل "أسرار البلاغة" و"شرح المعلّقات العشر المذهّبات" وغيرهما.. أقرأ كذلك بعض الجرائد والمجلات المتنوعة المجالات من فكر وعلوم وثقافات وإبداعات وعقيدة.. أقرأ بعض النماذج الشعرية الصاعدة في الجزائر عبر دواوين حديثة الصدور تجعلني أواكب الحركة الشعرية في بلادي.

 

ماذا تشاهد في رمضان ومن هو ممثلك المفضل؟

يأتي شهر رمضان والأمة العربية الإسلامية تعيش أحداثا استثنائية تتمثّل في نضال الشعوب لاسترجاع حريّتها والنهوض بدينها في وجه الغطرسة والاستبداد، لذا أجدني متابعا ومشاهدا للقنوات الإخبارية أكثر وبدرجة أقل حصصا تتناول تفسير القرآن والحديث دون أن يكون لي بالغ اهتمام بالمجالات الأخرى.. أما عن أفضل ممثل لديّ فهو جزائري اسمه عثمان عريوات الذي مثّل في أفلام هادفة نابعة من واقع مزري يعيشه الشعب الجزائري.. هذا الممثل لم يسقط في فخ الأدوار الباهتة وتمسّك بموقفه الإنساني الجميل مصوّرا ما نعيشه بصدق. 

حاوره فيصل شيباني 

من نفس القسم الثقافي