الثقافي

صدور المجموعة القصصية "زهور في خيال الحب" للشاعرة ميمي قدري

واقع معاش ممزوج بنكهة خيالية

 

صدر حديثا للكاتبة والشعرة الجزائرية ميمي قدري مجموعة قصصية بعنوان "زهور في خيال الحب" المجموعة، لا يمكنها إلا أن تثير الدهشة، وقد يسهل الدخول إلى عالمها لبساطتها ولكن يصعب الخروج منها لعمقها، فكل قصة وحدها تستحق أن يكتب عنها الكثير، سواء من حيث الموضوع الذي تتناوله أو من ناحية اللغة والأفكار التي تنشرها المؤلفة في ذهن المتلقي وكلها عصارة تجارب سالت بها غيمة تحكي عن صاحبتها بفصاحة الماء. وما ميز أسلوب السرد في هذه المجموعة أن القاصة تعي تماماً وبذكاء لعبة تحريك الكلمات كما تنقل أحجار الشطرنج، خاصة من خلال ما ترسمه القاصة من واقع معاش ممزوج بنكهة خيالية وليس خيالاً محضاً، وذلك ما أضفى عذوبة وروعة على تصوير المواقف مما ساعد في إخراجها واضحة الملامح جلية القسمات، ونحن هنا في هذه المجموعة لا نكاد نقع على الحروف فقط، وإنما نستطيع أن نقبض على روح الكاتبة، وهي تبكي وتضحك وتفرح وتحزن. وهي روح حريرية في كل أحوالها حيث أنها تتأثر سريعاً بكل لهب حياتي من التجارب تمر فيه فتحرق جزءاً منها لتنعكس مرآة ذلك اللهب إلى قصة. القاصة تكتب بتلقائية، ولا شغل لها بكيفية وضع المساحيق الكثيفة على وجوه الكلمات وشفاه المعاني، لأنها تدرك أن الجمال الطبيعي أكثر جاذبية وأن المتلقي الذكي قادر على استصفاء الهجين من الأصيل، فلم تذهب بذلك إلى التكلف في صياغة العبارة لتأتي عبارتها منسجمة صادقة مع ما تعيشه في نفسها وما تريد التعبير عنه دون الانسياق خلف الديباجات البلاغية أو استعراض عضلات لغوية وإنما يكمن العمق في البساطة الساحرة، خاصة مع الحفاظ على طبيعتها الهادئة والرومانسية كأنثى. فمنذ عنوان المجموعة "زهور في خيال الحب"، تحاول القاصة أن تطمئن القارئ وهو على عتباتها الأولى وقبل أن يدخل عالمها أنك سوف تدخل إلى عالم من الزهور فلا تكن قلقاً جدا مما ستراه، لكنها لم تلبث أن نقضت غزلها حين وقعنا على الكثير من المرارة واللوعة القابعة في قعر روحها وكأنها تستدرج القارئ ليشاطرها كنوز الألم في عوالمها دون أن تفصح له مباشرة، حيث تفتتح قصتها الأولى بالمعاناة في قولها (لم أنسَ طفولتي ولا ابتسامتي بالرغم من شقائي المتواصل في العمل.. كانت النشأة في البراري مع الذئاب والضباع.. وهكذا تتواصل الرحلة في شواطئ المجموعة، وإن كانت السردية الجميلة تخفف وطأة الألم وتقصر عمر الأحزان إذ جاءت الصياغة المبدعة شفيعة لتمرير الهموم. 

ولنلقي الضوء بشكل سريع على بعض عناوين المجموعة لنجد ذلك ماثلاً جلياً: (أنين اللقاء، مقبرة الروح، اغتيال براءة، زهور على مذبح الحب، نزيف الصمت، دماء الوطن، تختنق الآه بين نتوءات الروح، أنا والسرطان، الزجاج المشروخ، صفعة الحقيقة..) هي عناوين موغلة في الوجع ويستطيع أن القارئ أن يؤولها بألمه ويقرأ أن ما وراءها سر من أسرار الألم وإن لم يضع يده عليه تماماً. لا تحاول هذه المجموعة أن تجنح اتجاه التأمل المطلق بالكون والغيب، فتلك عملية مرهقة وإنما تحاول تلامس اليومي وتتعاطف مع البشر المهمشين عن السعادة والفرح، كقصة (نزيف الصمت) وما تخللها من وصف للحالة المرضية المؤلمة، فهي قاصة لا تعرف مداهنة الحياة ولا ترضى بسهامها القاتلة ولكن لا تملك أمام وحشية هذه الحياة سوى ترويضها بالكتابة ومحاولة الألفة وإن صاحبتها وخزات الوجع. 

ف. ش/ وكالات

من نفس القسم الثقافي