الثقافي
كتاب جديد للدكتور علي القاسمي
تحت عنوان "السياسة الثقافية في العالم العربي"
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 جوان 2013
صدر للدكتور علي القاسمي كتاب جديد عنوانه "السياسة الثقافية في العالم العربي"، من منشورات مكتبة لبنان في بيروت، ويقع في 248 من الحجم الكبير. ويتألف الكتاب من تسعة عشر فصلاً موزعةً على أربعة محاور هي: في الثقافة والمثقف، في السياسة اللغوية، في السياسة التربوية، في السياسة الإعلامية. ومن عناوين الفصول ما يأتي: دور المُثقَّف في بناء المستقبل، الهُوية الثقافية وحقُّ الطفل في الحفاظ عليها، دور الأدب في الحوار الثقافي، القطيعة مع التراث، أخلاقيات حقوق الإنسان، الحوار بين الحضارات؛ واقع اللغة العربية اليوم، وظيفة اللغة الرسمية، توحيد المصطلحات العلمية في الوطن العربي، معالجة الرموز العلمية في الكُتب المدرسية العربية؛ العوامل التربوية في الاضطرابات الاجتماعية والثورات العربية، دواعي إصلاح الجامعات العربية، علاقة التنمية البشرية بمحو الأُمِّية، هجرة العقول العربية، دعوة إلى إلغاء الكتاب المدرسي؛ الإعلام: ماهيته ووظيفته ولغته، السياسة الإعلامية في البلدان العربية.
يتناول الكتاب السياسات الثقافية المختلفة في البلدان العربية في ضوء متطلبات التنمية البشرية. ويخلص الكاتب إلى أن السياسات المتَّبعة لا تؤدّي إلى التنمية البشرية التي تمكِّن جميع المواطنين من الحصول على تعليمٍ راقٍ، والتمتع بصحّة جيدة، ومزاولة عمل يدرّ دخلاً يضمن لهم عيشاً يليق بالكرامة الإنسانية، بل على العكس، فإن هذه السياسات تعمل على عرقلة التنمية البشرية وإعاقتها. ونتيجة لذلك، فإن معظم الدول العربية تحتل الرتبة ما بعد 120 على سُلَّم التنمية البشرية الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة ضمن تقريرها السنوي عن التنمية البشرية في الدول الأعضاء.
وتُصنَّف معظم الدول العربية في هذا التقرير من بين الدول ذات التنمية المتدنّية (أي المتخلِّفة)، على حين أن دولاً مثل فنلندة وماليزيا وكوريا وتركيا، كانت في منتصف القرن الماضي أقل نمواً من البلدان العربية، أصبحت اليوم من الدول ذات التنمية العالية (أي المتقدِّمة). فكوريا، مثلاً، كانت أفقر بلد في آسيا، صارت حالياً تحتل الرتبة 12 على سُلَّم التنمية البشرية، متقدِّمة بذلك على دول أوربية كثيرة مثل فرنسا وسويسرا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها.
يرى الدكتور على القاسمي، الذي أصدر من قبل كتاب "الجامعة والتنمية" والذي تكلّفه منظمة الأمم المتحدة أحيانا بمراجعة الترجمة العربية لتقريرها السنوي عن التنمية البشرية، أن تحقيق التنمية البشرية يتطلّب أولاً قيام (مجتمع المعرفة) القادر على تبادل المعلومات بيسر وسرعة، واستيعابها، وتمثُّلها، وإنتاجها، في مناخ ديمقراطي تتوافر فيه حقوق الإنسان، خاصة حرية التعبير. ويحتاج مجتمع المعرفة إلى (أداة نفاذ) إلى مصادر المعلومات؛ وهذه الأداة هي اللغة الفصيحة المشتركة. بيد أن القاسمي يذهب إلى أن الشعوب العربية لا تمتلك لغة فصيحة مشتركة تمكنها من تبادل المعلومات والمعارف، وذلك بسبب السياسات الثقافية المتَّبَعة.
فنظام التعليم، في البلدان العربية، نظام طبقي لا يوفِّر المساواة وتساوي الفرص أمام أبناء المواطنين؛ وذلك لوجود ثلاثة أنواع من المدارس: فهناك مدارس أجنبية تُدرِّس منهجاً أجنبياً باللغة الأجنبية (لغة المستعمِر القديم الجديد: أي الفرنسية في بلدان المغرب "العربي"، والإنكليزية في بلدان المشرق "العربي"). وتلاميذ هذه المدارس لا يتعلمون اللغة العربية ولا ثقافتها، ولا تاريخ بلدانهم العربية ولا جغرافيتها. وتتقاضى هذه المدارس أجوراً باهظة فهي لأبناء النخبة من رجال السلطة والمال. وهناك مدارس حكومية سيئة التجهيز، متخلِّفة الطرائق التعليمية، ناقصة التوزيع في أنحاء البلاد، يرتادها أبناء الفقراء من أغلبية الشعب، ولا يتمكَّن خريجوها من استعمال اللغة الأجنبية. وهناك مدارس أهلية حرّة تجارية في المدن الكبرى فقط لأبناء الطبقة المتوسطة تمكِّنهم من استعمال اللغة الأجنبية.
ولما كانت الدول العربية تصرّ على الاستمرار في استعمال لغة المستعمِر الأجنبية في الحياة العامة، والإدارة والتعليم العالي العلمي والتقني، والمؤسَّسات الاقتصادية والمالية كالبنوك والشركات، فإن أبناء النخبة من رجال السلطة والمال هم المؤهَّلون لتولي المناصب السياسية والإدارية والاقتصادية، بفضل إجادتهم اللغة الأجنبية. وبسبب شعور كثير منهم بالاغتراب الثقافي في أوطانهم، فإنهم يهاجرون إلى أوربا وأمريكا. وهذا يفسّر لنا ـــ إضافة إلى عوامل أخرى كغياب الأمن وتفشي الفساد الإداري ـــ لماذا تحتل الدول العربية الرتبة الأولى بين الدول المتخلِّفة في هجرة الأدمغة أو تهجيرها إلى الغرب.
يؤكِّد القاسمي أن تحقيق التنمية البشرية يتطلَّب أن تتولّى الدولة نشر التعليم الإلزامي الجيد في كل أنحاء البلاد وباللغة الوطنية الفصيحة المشتركة في جميع مراحل التعليم ومستوياته وتخصُّصاته، وعلى نفقة الدولة. وهذا ما فعلته فنلندا وكوريا مثلاً، اللتان تستخدمان اللغة الوطنية المشتركة في جميع مرافق الدولة التعليمية والإدارية والاقتصادية، مع تمكين الطلاب من اللغات الأجنبية. ولا يجوز في كوريا، مثلاً، أن ينخرط الطالب في مدرسة أجنبية. فالمدارس الأجنبية في كوريا للأجانب.
أما السياسات الإعلامية في الدول العربية فإنها لا تُعزِّز ما يكتسبه التلاميذ من معارف في المدرسة، بل ترمي إلى تهميش الثقافة الحقيقية وتسطيح العقل العربي عن طريق إشاعة استخدام اللهجات العامية الدارجة التي لا تصلح بطبيعتها للتعبير عن التفكير العلمي أو المنطقي، وعن طريق إشغال الشباب وإلهائهم بالأغاني الخفيفة والرقص الهابط وكرة القدم، والتضييق على البرامج الفكرية والعلمية، إضافة إلى تكاثر الفضائيات العربية التي تبث بلغة أجنبية أشرطة سينمائية أغلبها مُغرِق في العنف والجريمة والرعب والانحلال الخلقي.
ف. ش