الثقافي

"تتويجي بجائزة الشارقة هو إنصاف لنصي الذي لم يلق التقدير في الجزائر"

الكاتب والإعلامي يوسف بعلوج للرائد:

 

 

في هذا الحوار الذي جمعنا مع الكاتب والإعلامي يوسف بعلوج بعد عودته من الشارقة أين استلم جائزة الشارقة للإبداع كأحسن نص مسرحي موجه للأطفال، وتطرقنا من خلاله إلى العديد من الأمور المتعلقة بالساحة الأدبية في الجزائر، خاصة المسرحية منها. 

 

 

-أولا نريد أن نهنئك على الفوز بجائزة الشارقة للإبداع، ماذا يعني لك هذا التتويج؟

 

يعني لي ولنصي الكثير، شعرت أنه أنصف نصا لم يلق التقدير الذي يستحقه في الجزائر. التتويج جاء في وقته نظرا لأني كنت أمر بحالة من الشعور باللاجدوى في مشهد أدبي وثقافي منغلق على نفسه، ولا يرحب بوافدين جدد. التتويج بجائزة الشارقة صنع مني حقيقة لا يمكن إنكارها.

 

-صراحة، هل كنت تتوقع نيل الجائزة الأولى، خاصة في فئة أدب الطفل بنص "إنقاذ الفزاعة"، الذي يعتبر التجربة الأولى لك في هذا المجال؟

 

المشاركة في مسابقة أدبية تعني الرغبة في الحصول على الجائزة، أما توقع الحصول عليها أو ضمانها مسبقا فهو أمر لا يحدث إلا في المسابقات التي تحسم نتائجها مسبقا باعتبارات يُوضع النص فيها في آخر اللائحة. شاركت بالصدفة، فلم أكن على علم بإمكانية المشاركة عبر الإيميل، ثم نسيت أمر مشاركتي بسبب انشغالي بالعمل كمساعد مخرج في فيلم "المنطقة الثامنة" في الجنوب، لم أتابع أخبار الجائزة، ولا موعد إعلان النتائج، لهذا فإن اتصال القائمين على الجائزة وإعلان فوزي كان مفاجئا بالنسبة لي... مفاجأة سارة أقصد.

 

-عنونت نصك بـ  "إنقاذ الفزاعة" ومدونتك تحمل اسم  "الفزاعة" أيضا، فما هو سر الفزاعة عند بعلوج؟

 

ما من أسرار كبيرة بالنسبة لاسم مدونتي الالكترونية، فقد أعطيتها اسم الفزاعة لأني اعتبرت هذا النص حينها نصا مفضلا، فأعطيت المدونة اسمه. أما الفزاعة ككائن فقد كانت طلسما كبيرا استعصى على التفكيك بالنسبة لي في فترة طفولتي، لقد كنت أراقب هذا المخلوق المعلق إلى لوح خشبي في حديقة قريبة من البيت، وكنت أتساءل: ما الذي فعله هذا الكائن ليستحق هذا المصير؟ الآن انتقمت لسؤال لازم طفولتي بأن صنعت للفزاعة حكاية منصفة.

 

-تقول إنك صنعت قصة منصفة للفزاعة، ما هي الأجواء التي دارت فيها حكاية النص المسرحي، والتي ترى أنها أنصفت بطلة العمل؟

 

فكرت أن الفزاعة في أصلها دمية جميلة تعرضت لظروف معينة لم تكن مسؤولة عنها، أدت بها إلى تلك النهاية، وتساءلت عن هذه الظروف فوصلت إلى حقيقة مفادها أن الدمية كانت مملوكة لطفلة انشغلت بها وباللعب معها على حساب دراستها، فاضطر والدها بما رآه حلا أمثل لتدني علامات ابنته المدرسية أن يتخلص منها ببيعها إلى تاجر للعب القديمة، الذي حولها بدوره إلى أحد المزارعين، لتنتهي مربوطة في حقل في هيئة سيئة، تجعل العصافير والأطفال يتحاشون التقرب منها بدعوى شكلها المخيف، الذي يجعلهم يفترضون أنها مخلوقة تسبب الأذى، حاولت تمرير رسائل بخصوص الأحكام المسبقة على الآخرين من خلال المظهر، وكيف أنها ليست صحيحة دائما، إضافة إلى رسائل أخرى متعلقة بضرورة الاجتهاد في الدراسة، وغرس قيم المحبة والتعاون.

 

 

- في ظل أحاديث جماعة من المسرحيين بعدم وجود نص مسرحي في الجزائر، تفوز بالمرتبة الأولى بنصك الذي لم ير النور بعد على الخشبة، أترى بوجود أزمة فعلية للنص المسرحي في الجزائر؟

 

طبعا لا، أزمة النص هي أكذوبة كبرى يروجها المنتفعون من أدعياء الاقتباس، والمنتفعون من حالة الغلق التي فرضوها على الفن المسرحي في الجزائر، هؤلاء لا يهمهم سوى تمرير مشاريعهم الخاصة، والتي لا ترقى في أغلبها إلى المستوى الأدنى المتطلب توفره في نص مسرحي، ومن أجل أن يميعوا المشهد بما يتيح لهم الاستمرار في التطفل على الكتابة، اختلقوا هذه الأكذوبة، رسالتي واضحة لكل من يقول بوجود أزمة نص مسرحي في الجزائر: مرحبا بك، لدي نصوص جاهزة للعرض، وأعرف كتابا لديهم نصوص جاهزة للإنتاج، عندما تنتج كل النصوص المركونة في الأدراج سأقبل بمناقشة أزمة النص المفتعلة.

 

 

-حسب تصريحاتك السابقة، فقد سبق وأن قدمت نصك الفائز بالجائزة للمسرح الوطني الجزائري منذ عامين، وتم قبوله لكنه لم ينتج إلى حد الساعة، ما هي الأسباب التي أدت إلى تأخر إنتاجه؟

 

سُئلت هذا السؤال مرارا وتكرارا منذ فوزي، وصدقني لست من النوع الذي يلح كثيرا في الاستفسار عن الأسباب، لكني منذ فترة قصيرة تلقيت خبر اعتزام المسرح الوطني إنتاجه قريبا، وقد تحدثت مع المدير شخصيا أمحمد بن قطاف، الذي قال لي إن دعوى تأخر إنتاج النص متعلقة بظروف إغلاق المسرح الوطني خلال العام الماضي من أجل الترميم. ومن المفترض أن يرى النور خلال شهر على أكثر تقدير، أتمنى أن يتم الأمر قريبا.

 

 

- الكثير من الكتاب يراهنون على الجوائز من أجل إثبات نفسهم في الساحة الأدبية، كيف تنظر إلى الجوائز، وما هي الإضافة التي تقدمها للمبدع عامة؟ 

 

الجائزة تمنحك شعورا بالإنصاف، بأنك لم تراهن على جواد خاسر. الكتابة ليست بالمجال الذي يقذفك بالورود، ويعدك بالحياة الرغدة، هي مكابدة بات الجميع يعرف ما تترتب عنها، لهذا أشعر أن الجائزة منحتني شعورا بالثقة في إمكانية الاستمرار في القيام بما أحب القيام به، مع الحصول على التقدير الأدبي والمادي، وهذا معطى مهم جدا. الإضافة التي تقدمها هي الانتشار، فجائزة الشارقة مثلا منحتني فرصة لأن يصبح اسمي متداولا إعلاميا جزائريا وعربيا، وهذا أمر يسعى إليه كل كاتب.

 

-مؤخرا، بات للأدب الجزائري حضور نوعي في العالم العربي، خاصة من خلال حصد جوائز مهمة مثل جائزتي الشارقة والطيب صالح. هل ترى أن المشهد يمر بمرحلة تشبيب من خلال جيل فرض نفسه؟

 

أنا أؤمن بفكرة الامتداد لا القطيعة، لهذا لا أرى كثيرا بفكرة الأجيال على مستوى الكاتب بل على مستوى نضج المكتوب، هناك كتاب طاعنون في السن والكتابة يمارسون أحيانا مراهقة غير مبررة في نصوصهم، وهناك شباب يحاولون أن يصنعوا من أنفسهم كتابا كبارا من النص الأول فتضيع طهارة تجربتهم الأولى في غمرة التماهي مع من سبقوهم، أرى أن لكل كاتب دورة حياة يجب أن يحترم مسارها الطبيعي، وتطورها المنطقي. صحيح أن المشهد عرف انطلاقة لأسماء شابة جادة، لكن لكل جيل جماليته الخاصة به.

 

- المعروف أن الكتب الفائزة في جائزة الشارقة يتم طبعها، لماذا تأخر طبع عملك المسرحي مقارنة مع بقية الأعمال التي تسلمها الفائزون خلال فعاليات توزيع الجوائز؟

 

ليس كتابي هو الوحيد الذي تأخر طبعه، بل كل الكتب الفائزة في مجال أدب الطفل، وهو أمر يحدث عادة بسبب أن نوعية طباعة الكتب الموجهة للطفل مختلفة عن بقية الكتب الفائزة في فروع أخرى. هي كتب تحوي رسومات وإخراجها الفني مختلف، لهذا يتطلب إنجازها وقتا، القائمون على الجائزة يشتغلون بجد على أن يرى العمل النور في أقرب فرصة.

 

 

-إضافة إلى الكتابة الأدبية، اشتغلت في الصحافة المكتوبة، وحاليا تشتغل في قناة تلفزيونية خاصة، إلى أي مدى يمكن للإعلام خدمة الكاتب؟ 

 

من الناحية الإعلامية قد يخدم الكاتب اشتغاله في مؤسسة إعلامية، لأن هذا الأمر يسمح له بإقامة علاقات مع زملاء قد يمنحوه بعض الاهتمام في عملهم، لكن من الناحية الإبداعية أرى أن الصحافة مهنة تقتل الإبداع ليس فقط بسبب أنها مهنة تعيد عبرها إنتاج ما اطلعت عليه ونقله للجمهور، بل للنسق القاهر الذي يشتغل به الصحفي في الجزائر. ستة أيام على سبعة هو نسق لا يترك لك أية فرصة للإبداع.

 

-سبق أن صرحت أنك تشتغل على عدة أعمال أدبية، بما يشمل الرواية التي أغرت الكثيرين لخوض غمارها، متى ترى هذه الأعمال النور؟

 

لدي مجموعة شعرية ستصدر قريبا عن دار الربيع العربي بالقاهرة، هي الآن في مرحلة التصميم الذي أردته أن يكون جميلا بما يليق بالشعر، أما عن الرواية فلا أستطيع أن أجزم بتاريخ محدد لصدورها، ذلك أنني لم أنهها بعد، وقد تشعبت للحد الذي اختلطت فيه الأمور علي، لدرجة أنني لم أعد أجزم بأن ما أكتبه رواية واحدة فقط. الأمر متروك للزمن. كذلك أنتظر صدور نصي المسرحي "إنقاذ الفزاعة" عن دائرة الثقافة والإعلام لحكومة الشارقة. أنا أشتغل على مهل. تقريبا كل ما سيصدر هذا العام أنهيته منذ أكثر من عام، ولم أتسرع في طبعه، أفضل أن أتأكد من المخطوط، حتى لا أصاب برغبة في مراجعته بعد النشر.

 

حاوره فيصل شيباني

من نفس القسم الثقافي