الثقافي
2021 سنــة محـــاولة العــودة للنشاط الفنـــي
اتسمت بالحذر والرغبة في التحدي
- بقلم حياة س
- نشر في 30 ديسمبر 2021
عرف المشهد الثقافي الجزائري، عام 2021، مثله مثل باقي البلدان و الدول العربية منها والغربية، مزيجا حذرا ما بين الانتعاش المتواضع و محاولة العودة بعد تجميد كامل الأنشطة الثقافية و الفعاليات من جهة و الحذر المصحوب بإتباع البروتوكول الصحي الوقائي من جهة أخرى، و بمحاولة العودة إلى الحياة الثقافية الطبيعية بعد سنة من التوقف بسبب الوباء، لتنطلق بتضافر الجهود من مختلف الجهات و المصالح، و مصحوبة بإرادة و رغبة واضحة من الجهات العمومية في بعث " اقتصاد ثقافي " و" صناعة سينماتوغرافية ".
و بعد الغياب شبه التام للتظاهرات و العروض في عام 2020، سيما المهرجانات الدولية و الملتقيات و التظاهرات على اختلافها، اتسم هذا العام بمحاولة العودة إلى الوضع الطبيعي من أجل إنقاذ الموسم الضائع و قطاعات ثقافية مهددة، خصوصا مع تنظيم المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالعاصمة، و الصالون الوطني للكتاب في ظروف تميزت بالحيطة و الوقاية من جائحة كورونا لم يعهدها عالم الثقافة من قبل.
فضاءات تنفض الغبار و تتنفس الصعداء تدريجيا
و في عالم العروض الحية، فإن المسارح فقط هي التي ضمنت الحد الأدنى من الاستمرارية، على الرغم من إغلاق آخر مس هذا القطاع في فصل الصيف الفارط، إلا أنه سريعا ما عادت الأمور إلى النشاط و عرض العديد من المسرحيات سواء التابعة لمسارح جهوية أو جمعيات و تعاونيات، كانت موجهة للكبار أو للصغار، سيما و أننا لا نزال في العطلة الشتوية التي استمتع فيها الأطفال بعروض خصصت لهذه الفئة الحساسة التي حرمت من مختلف الأنشطة الترفيهية لإبراز مواهبها و ما تحبه لتفريغ طاقاتها.
و رغم برمجة عديد التظاهرات المسرحية على المستوى الوطني، غير أن الجمهور الذي عاد من جديد إلى قاعات العروض، شهر مارس الماضي، لم يحظى إلا بعدد قليل من الإنتاجات الجديدة المدرجة برسم سنة 2021، وفي هذا الإطار اقترح المسرح الوطني الجزائري محي الدين باشطارزي إنتاجاته الجيدة لموسم ،2021 منها مسرحيات " رمادة 19 " من إخراج شوقي بوزيد و اقتباس عبد الرزاق بوكبة عن رواية " ليليات رمادة " للكاتب واسيني الاعرج، و كذا " شارع المنافقين " و هي كوميديا سوداء من تأليف و إخراج أحمد رزاق، فضلا عن إنتاج مسرحي خاص بالأطفال الموسوم " أجنحة نمولة " إخراج نضال، مقتبس عن نص للكاتب يوسف بعلوج، و تم على صعيد آخر، عرض عدة أعمال مسرحية أمام الجمهور برسم سنة 2020 و 2021 على غرار " عودة شاشناق " و " الجثة " من إنتاج المسرح الجهوي لقسنطينة، و مسرحية " البئر " لجمعية وجوه المسرح من مدينة البليدة، " النعيم في الجحيم " لجمعية البسمة من سكيكدة، و أيضا " لاودينغ " و هو عرض موجه للشباب عرض على خشبة المسرح الجهوي لمستغانم.
بما في ذلك دور الثقافة و مكتبات المطالعة العمومية الرئيسية منها و الفرعية، التي فتحت هي الأخرى أبوابها لاستقبال الأطفال و المهتمين بالانضمام لورشات الرسم، الموسيقى، المطالعة، الخط العربي، التصوير، الرقص، الغناء و غيرها من الأنشطة التحفيزية على الإبداع.
في حين أن عالم الموسيقى و الرقص الذي عانى بدوره كثيرا من تجميد الأنشطة في عام 2020 ظل يكافح لاستئناف نشاطه، بينما الأحداث الثقافية الرئيسية بقيت متوقفة، على غرار مهرجان جميلة بسطيف، تيمقاد بباتنة، و الكازيف و أخرى متفرقة عبر ولايات الوطن، بالإضافة إلى أوبرا الجزائر " بوعلام بسايح "، هذه الأخيرة التي انطلقت فيها بعض من التظاهرات الغنائية و الراقصة و العروض المسرحية، و كذا في إطار برنامج الزيارات الترفيهية الموجهة التي بادرت بها دار أوبرا الجزائر، باتجاه المدارس و المؤسسات التربوية، قام تلامذة مدرسة " سنرايز سكول "، الكائنة بالأبيار و حيدرة بزيارة بيداغوجية إلى دار الأوبرا، تعرفوا خلالها على كل الوسائل و المرافق التي تتوفر عليها هذه المؤسسة الكبيرة و الهيكل الذي يعتبر إنجازا مهما للفن و الثقافة الوطنية.
و عرفت هذه السنة تنظيم بعض الفعاليات المتعلقة بالفن الرابع، دون تحقيق عودة طبيعية للنشاط المسرحي، حيث تم تنظيم الطبعة 14 للمهرجان الوطني للمسرح المحترف شهر مارس التي سمحت لهواة المسرح العودة تدريجيا إلى بناية محي الدين باشطارزي، و كذا الدورة التاسعة للربيع المسرحي بقسنطينة و كانت بمثابة متنفس لمدينة الصخر العتيق، من جهة أخرى، احتضنت بدورها مدينة البيض في نفس الفترة فعاليات " الأيام الوطنية للمسرح الملتزم "، بمشاركة أعمال مسرحية من مختلف مناطق الوطن، فيما شهدت مدينة سعيدة الأيام الوطنية لمسرح الطفل و العرائس، و انطفأت من جديد أضواء الركح المسرحي خلال الفترة الصيفية و هو ما أجبر المسارح على توقيف تدريبات الفرق على الركح ليتبعها لاحقا إعادة فتح الفضاءات المسرحية بشكل حذر.
و بالنسبة لنهاية السنة الجارية فقد عرفت تنظيم عدة فعاليات مسرحية متسلسلة أبرزها على ركح المسرح الجهوي لسيدي بلعباس، الذي احتضن الطبعة 13 للأيام الوطنية لمسرح مكرة من طرف جمعية " البيان " شهر نوفمبر الماضي، تليها الأيام الوطنية الأولى فتيحة بربار لمسرح الشباب بمبادرة من جمعية المنارة الثقافية لبومرداس، و في ذات الإطار، تميزت نهاية السنة الجارية بتنظيم الدورة 10 لتظاهرة " أيام مسرح الجنوب " بالجلفة، التي تعقد فعالياتها خارج الجزائر العاصمة لأول مرة منذ تأسيسها، و ذلك بمشاركة 7 أعمال مسرحية، مداخلات و ورشات تكوينية إلى جانب تظاهرة الطبعة السادسة للأيام الإفريقية للمونودراما بالأغواط، كما
كان جمهور المسرح على موعد مع الطبعة الأولى للأيام المسرحية للقصبة التي كانت مبرمجة من 22 إلى 30 ديسمبر الجاري، غير أن التظاهرة تم تأجيلها إلى غاية شهر فيفري المقبل، حسب مؤسسة المسرح الوطني الجزائري و هي الجهة المنظمة للتظاهرة.
المكتبات الوطنية و دور النشر تستعيد نشاطها بحذر
لا يمكن أن ننفي تأثر المكتبات و دور النشر من جائحة كورونا، و كذا تأثر قطاع النشر و صناعة الكتاب بشدة في عام ،2020 حيث شهد انخفاضا كبيرا في عدد المطبوعات على اختلافها و توجهاتها، كما توقف نشاط العديد من دور النشر و المطابع، الأمر الذي دفع بأصحابها لإعلان تخوفاتهم من استمرار الوضع على حاله و بالتالي التوجه نحو الإفلاس و الغلق، و الذي لا يزال إلى اليوم يعاني من تداعيات الأزمة الصحية و الوبائية، رغم عودة العديد من الكتاب المعروفين إلى الساحة الأدبية بأعمالهم الروائية الجديدة، كياسمينة خضرا و واسيني الأعرج و أمين الزاوي.
و تم في نفس السياق إثراء المكتبة الجزائرية بإصدارات جديدة مرتبطة أيضا بالتاريخ، كما ظهر مؤلفون جدد عرفت مؤلفاتهم تجاوبا ملحوظا من القراء، في حين أن معرض الجزائر الدولي للكتاب (سيلا)، و هو الحدث الثقافي الأكثر انتظارا من الجمهور العاشق للقراءة و متابعة كل جديد في الإطار، قد أجل لشهر مارس من العام المقبل.
و لم يشهد من جهته التراث الثقافي، الذي يعد عنصرا أساسيا في " الاقتصاد الثقافي " من خلال طابعه السياحي، أي تقدم ملحوظ هذا العام خصوصا في ظل عدم الاستقرار الإداري و المالي في مؤسسات هذا القطاع الحساس، كما أنه لم يشارك إلا بملف واحد مشترك و متعدد الجنسيات للتصنيف كتراث عالمي للإنسانية و يتعلق الأمر بالخط العربي، في حين أن العديد من المشاريع الوطنية و الدولية لا تزال معلقة إلى إشعار آخر.
أول منتدى موجه للاقتصاد الثقافي
شهد عام 2021 تنظيم أول منتدى للاقتصاد الثقافي و الذي جمع عدة وزارات و هيئات رسمية و ممثلين عن هيئات دولية و أصحاب مشاريع ثقافية، و كذا مؤسسات استثمارية و بنوك و خبراء جزائريين و دوليين في الاقتصاد و الثقافة و منتجين و غيرهم، و هذا بهدف جعل الثقافة قطاعا خلاقا للثروة و مناصب الشغل.
و قد خرج المنتدى بعدة " قرارات " في مجال السينما لا تزال إلى اليوم تنتظر التجسيد أهمها إطلاق مشروع المدينة السينمائية بولاية تيميمون، و افتتاح مركبين سينمائيين بكل من وهران و العاصمة و إنشاء مدرسة للتكوين السينمائي بقسنطينة، و أكاديمية فنون سينمائية بولاية تيزي وزو و منصة رقمية لتوزيع الإنتاج السينمائي.
و قد أبدت السلطات العمومية، اهتماما بارزا بالصناعة السينماتوغرافية خصوصا، مع إصدار مرسوم رئاسي في الجريدة الرسمية يتضمن إنشاء " مركز وطني للصناعة السينماتوغرافية "، سيكون تحت وصاية الوزير الأول و سيكلف بترقية و تطوير الصناعة السينماتوغرافية و الإنتاج السمعي البصري و المساهمة في دعمهما، و مرسوم آخر يتضمن إنشاء المؤسسة العمومية " الجزائري لإنتاج و توزيع و استغلال فيلم سينمائي عن حياة الأمير عبد القادر "، و التي ستتكلف بإنتاج و توزيع و استغلال الفيلم السينمائي الذي يحكي عن هذه الشخصية التاريخية، كما صدر شهر نوفمبر المنصرم مرسوم تنفيذي في الجريدة الرسمية، من بين ما نص عليه تحديد كيفيات إعادة إدراج قاعات العرض السينمائي التابعة للبلديات ضمن الأملاك الخاصة للدولة و إسناد تسييرها لوزارة الثقافة و الفنون.
إنتاج لأفلام و توزيعها بدور السينما
كما تميز هذا العام بصدور العديد من الأفلام و توزيعها بقاعات السينما عبر التراب الوطني، و بحضور ملحوظ للجمهور، و هذا على الرغم من غياب المهرجانات السينمائية الجزائرية الرئيسية الثلاثة مرة أخرى هذا العام، حيث تمكنت السينما الجزائرية خلالها من البروز و لو نسبيا بمشاركاتها في مهرجانات دولية، حيث تم تتويج خمسة أفلام جزائرية بجوائز الدورة السادسة لمهرجان القدس السينمائي بمدينة غزة (فلسطين)، إضافة إلى مشاركة أفراد الجالية الجزائرية المقيمة بقطر في فعاليات " ملتقى الجاليات المغاربية " و هي تظاهرة ثقافية نظمت على هامش كأس العرب للاتحاد الدولي لكرة القدم، بما في ذلك تتويج الفيلم الوثائقي " المتحف " للمخرج الجزائري جمال باشا بجائزة مفتاح العودة، لأفضل فيلم وثائقي في ختام مهرجان العودة السينمائي الدولي بفلسطين في دورته الخامسة، دون أن ننسى افتتاح الأيام الأولى للفيلم النرويجي بسينيماتيك الجزائر العاصمة، من طرف سفير النرويج بالجزائر، كنوت لانغلاند، بعرض ثلاث أفلام برمجت خلال هذه الأيام.
و من جهة أخرى شاركت العديد من الأفلام الجزائرية في مهرجانات سينمائية دولية على غرار " هيليوبوليس "، " جزائرهم "، " الحياة ما بعد " و الفيلم القصير " توفا " و هو إنتاج مشترك جزائري - صحراوي، كما احتف مهرجان الفيلم الفرانكفوني لأنغوليم بفرنسا بالسينما الجزائرية.
و فيما يخص التتويجات فقد فاز " أرقو " بجائزة الجامعة الإفريقية للنقد السينمائي بأيام قرطاج السينمائية بتونس، و " الحياة ما بعد " بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان آميان بفرنسا، كما توجت خمسة أفلام جزائرية بمهرجان القدس السينمائي بغزة أبرزها " أبو ليلى ".
مشاركات للفن التشكيلي الجزائري خارج الوطن
عرض حوالي 19 عملا فنيا حديثا من إبداعات الفنان التشكيلي و الخطاط الجزائري العالمي رشيد قريشي ضمن فعاليات الطبعة 20 لبينالي الدولي لفن النقش (المنحوتات) بمدينة سارسيل (الضاحية الباريسية) بفرنسا، كم احتضن المركز الثقافي الجزائري بباريس، معرضا فنيا بمناسبة إحياء الذكرى المئوية لميلاد الأديب الجزائري الكبير محمد ديب، تحت شعار " محمد ديب و الفن.... النظرة لظل ".
عروض شرفية لأفلام روائية و وثائقية
تميزت سنة 2021، بتقديم العديد من العروض الشرفية الأولى لأفلام روائية و وثائقية، بين طويلة و قصيرة، لمخرجين جزائريين، أنتجت بين عامي 2019 و 2021، و حاز بعضها عددا من الجوائز في مهرجانات دولية، و على الرغم من استمرار جائحة كورونا، فقد برمجت وزارة الثقافة و الفنون العديد من هذه الأعمال انطلاقا من شهر مارس على غرار الفيلم الروائي الطويل "هيليوبوليس" لمخرجه جعفر قاسم، و هو العمل الذي أعيد اختياره ليمثل الجزائر في مسابقة أوسكار أحسن فيلم دولي عام 2022 في إطار الفيلم الناطق بغير اللغة الإنجليزية.
و من الأعمال المعروضة أيضا الأفلام الروائية الطويلة " الموسم الخامس " لأحمد بن كاملة و " صليحة " لمحمد صحراوي و" أبو ليلى " لأمين سيدي بومدين و" دم الذئاب " لعمار سي فوضيل، و كذا " أرقو " " أحلم " لعمر بلقاسمي و" الحياة ما بعد " للمخرج أنيس جعاد، كما تم عرض الفيلم الوثائقي الطويل " جزائرهم " للينا سوالم و الأفلام الروائية القصيرة " الوالدين " لمعوشي خلاف و " طفل جزائري " لحكيم ترايدية، و كذا " تشبشاق ماريكان " لآمال بليدي و " فوبيا " لإسلام قروي و " بولما " لمحمد يزيد يطو و " سيعود " ليوسف محساس و " وينا " لأرزقي العربي.
و قد تميز أيضا العام الجاري الذي لا يفصلنا فيه عن العام الجديد سوى ساعات، بتنظيم العديد من التظاهرات السينمائية المحلية بمدن مثل ولايات معسكر، أم البواقي و كذا أدرار و مدينة سعيدة للمهرجان الوطني لأدب و سينما المرأة، ناهيك عن تنظيم الطبعة السادسة بالعاصمة لأيام الفيلم الأوروبي و الأيام الأولى للفيلم النرويجي كما سبق و ذكرنا.
مشاركات لجزائريين في أعمال عالمية
و برز من جهة أخرى عدد من الممثلين الجزائريين و الفرانكو- جزائريين بأدوارهم في أفلام عالمية على غرار " صوفيا بوتلة "، من مواليد 3 أفريل من العام 1982 ببلدية باب الوادي بالعاصمة الجزائر، والدها الملحن صافي بوتلة، عُرفت بظهورها في عدة أفلام أمريكية أبرزها ستريت دانس 2 المنتج عام 2012، وحوش القارة السوداء عام 2014، كينغزمان: الاستخبارات السرية عام 2015، ستار تريك بيوند عام 2016 و المومياء عام 2017، و اختيرت للمشاركة في فيلم الخيال العلمي " ريبل مون " للأمريكي زاك سنايدر، و الممثلة الجزائرية " لينا خودري "، و هي ممثلة و كوميدية جزائرية وُلدت في الجزائر العاصمة، اشتهرت بعد دورها في فيلم " بابيشا " للمخرجة مونيا مدور، و الذي حازت بفضله على عدة جوائز، حيث اختيرت ضمن أبطال الفيلم الفرنسي الجديد " الفرسان الثلاثة ".
الممثل " طاهر رحيم "، بدوره اختير لبطولة الفيلم الدرامي " الموريتاني " للمخرج الاسكتلندي كيفن ماكدونالد، و هو العمل الذي رشحه لجائزتي " غولدن غلوب " الأمريكية و" بافتا " البريطانية لأحسن ممثل، و أما " دالي بن صالح "، فقد شارك بدوره في أحدث أفلام السلسلة البوليسية البريطانية الشهيرة " جيمس بوند " المعنون بـ " نو تايم تو داي " (لا وقت للموت) و هو من بطولة الممثل البريطاني دانييل كريغ، و قد عرض بلندن في سبتمبر الماضي.