الثقافي

فيروس "كابتن تربس"

قام أحدهم باختراع الفيروس من أموال دافعي الضرائب

 

كتب ستيفن كينغ رواية "الموقف" The Stand كرواية رعب في عام 1978، وباعت الرواية 4.5 ملايين نسخة. كما أُنتجت كمسلسل تلفزيوني في عام 1994 في الولايات المتحدة. يختلف الفيروس في الرواية عن فيروس COVID-19 الذي يواجهه العالم حالياً، ويبلغ معدل الوفيات بفيروس COVID-19 ما بين 1 و3 في المائة (أعلى بكثير لكبار السن)، بينما قتل الفيروس في رواية ستيفن كينغ 99% من الأشخاص الذين أصيبوا به. لكن الطريقة التي ينتشر بها الفيروس من شخص لآخر في الحالتين (الخيال والواقع) متشابهة، وذلك من خلال الاتصال اليومي الذي لا يحسب الناس حسابه. وبالتالي، فالتباعد الاجتماعي ينقذ الكثير من الأرواح، في الواقع كما في الخيال الروائي.

 

في الثامن عشر من يونيو/حزيران، بعد خمس ساعات من حديثه مع قريبه بيل هابسكومب، أوقف الشرطيُّ جو بوب برينتوود سائقاً كان يقود بسرعة على الطريق السريع تكساس، حوالي 25 ميلا شرق بلدة ارنيت. كان اسم الشخص المسرع هاري ترنت من بلدة برابنتري، وكان يعمل في مجال التأمين، كان يقود بسرعة خمسة وستين ميلاً، بينما الحد الأقصى للسرعة هو خمسة وخمسين ميلاً. قام جو بوب بإعطائه مخالفة لسرعته. لم يعترض ترنت وتقبّل المخالفة، بل حاول أن يثير اهتمام جو بوب وبيعه بوليصة تأمين لمنزله وعلى حياته. جو كان بخير، كان الموت آخر ما يخطر على باله على الرغم من كونه يعاني مع المرض، قام جو بالتزود بما هو أكثر من البنزين في محطة قريبة، وقام بإعطاء هاري ترنت أكثر من مخالفة سرعة.

 

قام أحدهم باختراع الفيروس من أموال دافعي الضرائب

كان هاري اجتماعياً للغاية، وكان يحب عمله، وبسبب ذلك قام بنقل العدوى لأكثر من أربعين شخصاً في سحابة ذلك اليوم واليوم الذي تلاه. ومن المستحيل التكهن بالعدد الذي قام هؤلاء الأربعون بنقله - يمكنك كذلك أن تتساءل عن عدد الملائكة الذين كانوا يرقصون حول رأس الدبوس. بتقدير لا مبالغة فيه يمكنك القول إن كل شخص أصيب بالعدوى قام بنقلها إلى خمسة أشخاص، وبذلك يكون لديك مائتا شخص. باستخدام نفس المعادلة الحذرة، نستطيع القول إن هؤلاء المائتي شخص سينقلون العدوى إلى ألف شخص، والذين بدورهم سوف يُعدون خمسة آلاف، والخمسة آلاف سوف يُعدون خمساً وعشرين ألفاً.

في صحراء كاليفورنيا، وبدعم من أموال دافعي الضرائب، قام أحدهم باختراع ما كان يسمّى بالرسائل المتسلسلة أو الهرمية، وكانت فكرة ناجعة للغاية - أو ربما علينا أن نقول - مميتة للغاية.

في التاسع عشر من يونيو/حزيران في ذات اليوم الذي عاد فيه لاري أندرود إلى نيويورك في اليوم نفسه الذي أخبرت فيه فراني جولد سميث أباها عن حملها من عابرٍ، توقّف هاري ترنت في مطعم في شرق تكساس لتناول الغداء، كان اسم المطعم "بيب" للوجبات السريعة. تناول هاري طبق هامبرغر بالجبن وقطعة من فطيرة فراولة بيب اللذيذة. كان لديه برد خفيف، ربما حساسية برد، لكنه ما فتئ يسعل ويبصق. خلال تناوله طعامه، قام بتمرير العدوى إلى مالك المطعم بيب وسائقي شاحنة في طاولة على الزاوية، ورجل قام بتوصيل الخبز، ورجل آخر جاء للمطعم لتغيير أسطوانات صندوق الموسيقى. وترك هاري على طاولته إكرامية للنادلة، عبارة عن ورقة من فئة الدولار، كانت تلك الورقة موبوءة بالموت.

في طريقه خارج المطعم، توقفت سيارة من نوع ستيشن واغن، وعلى ظهرها كان هنالك حمالة إضافية، وكانت السيارة مليئة بالأمتعة والأطفال ولوحتها تشير إلى أنها من ولاية نيويورك، وكان سائقها الذي أنزل نافذة السيارة يسأل هاري عن الطريق الشمالي يو اس 21 بلهجة نيويوركية. أعطى هاري رفيقه النيويوركي إرشادات واضحة عن كيفية التوجه للطريق السريع 21، وأعطاه كذلك وكافة أفراد عائلته مذكرة الموت بدون أن يدركوا ذلك.

كان اسم هذا النيويوركي إدوارد نورس، ملازم في الشرطة وعضو في فرقة التحرّي في مركز الشرطة رقم 87 في مدينة نيويورك. كانت هذه أول مرة يقضي فيها إجازة منذ خمس سنوات، والتي استمتع بها هو وعائلته. كان الأطفال فرحين جداً خلال زيارتهم ديزني في أورلاندو، وبدون أن يعرف أن جميع أفراد العائلة سيلقون حتفهم قبل الثاني من شهر تموز، خطّط نورس للقيام بإخبار اللئيم ستيف كاريل بأنه بالإمكان أن يقوم المرء بأخذ زوجته وأطفاله إلى مكان ما بالسيارة وقضاء وقت جيد. وستيف على الأغلب سوف يقول له إنه رجل تحرٍّ جيد، ولكن الرجل الذي لا يستطيع أن يدبّر أمر عائلته لا يستحق حفرة تبوّل في جبل من الثلج.

كانت عائلة نورس في مطعم بيب للوجبات السريعة، وبعد ذلك اتبعت إرشادات هاري ترنت الرائعة للطريق رقم 21، كان إدوارد وزوجته تريش مغتبطين بالضيافة الجنوبية، بينما كان أطفالهما الثلاثة يلوّحون في المقعد الخلفي. كان إدوارد يفكر في أن الله وحده يعلم ماذا يفعل وحوش ستيف الصغار.

قضوا تلك الليلة في اوستاس أوكلاهوما في فندق صغير، تسبب إدوارد وتريش في عدوى المحاسب، والأطفال مارشا وساتانلي وهكتور عدوا الأطفال الذين لعبوا معهم في ملعب الفندق، وكانوا من غرب تكساس وألاباما أركنسو وتينيسي. تريش نقلت العدوى أيضا لامرأتين كانتا تغسلان في مغسلة عامة على بُعد شارعين. إدوارد في طريقه بردهة الفندق لجلب بعض الثلج تسبب في عدوى شخص آخر مرّ في نفس الردهة. كل شخص قام بدوره..

 

التباعد الاجتماعي ينقذ أرواحاً في الواقع وفي الخيال

أيقظت تريش إدوارد في ساعات الصباح الأولى لتخبره بأن الصغير هكتور مريض. كان يعاني من سعال سيئ وكان يشهق منه، بالإضافة إلى ارتفاع درجة حرارته. بدا وكأنه خناق لتريش، تذمّر إدوارد وأخبرها بأن تعطيه بعض الأسبرين. تذمّر إدوارد متسائلا ماذا كان سيحدث لو تأخر مرض الطفل أربعة أو خمسة أيام لغاية عودتهم إلى منازلهم، وبذلك سيحملون معهم ذكرى إجازة جميلة بالإضافة إلى خطته لإغاظة زميله. كان باستطاعته أن يسمع سعال طفله من خلال الباب المتصل مع غرفته يسعل كجرو صغير.

توقعت تريش أن تتحسّن أعراض هكتور خلال الصباح، خناق الأطفال يحتاج فقط للراحة، ولكن بحلول ظهر يوم العشرين من حزيران اعترفت بأن ذلك لن يحصل. لم يخفض الأسبرين الحرارة، كانت عينا هكتور المسكين مرهقتين بسببها، وكان لسعاله نبرة لم تعجب تريش وكان تنفسه مجهداً ومليئاً بالبلغم. وكائنا ما كان، بدا أنّ مارشا قد أصيبت بهذا المرض وأحسّت تريش بدغدغة سيّئة في حلقها كانت تسبب لها سعالاً، لكنه كان سعالاً خفيفاً وكان باستطاعتها إخفاؤه بتغطية فمها بمنديل.

"يجب أن نأخذ هكتور إلى الطبيب"، أخيراً قالت تريش.

توقف إدوارد عند محطة خدمات سيارات وقام بتفحص خريطة مثبتة على حاجب الشمس في سيارته، كانوا في هامر كروسينغ في كانساس. "لا أعرف، ربما قد نستطيع على الأقل إيجاد طبيب ليعطينا تحويلاً"، قال إدوارد. تأوه ومرّر يده خلال شعره بكل أسى. "هامر كروسنغ كانساس، يا إلهي، لماذا مرض الطفل بهذا الشكل ليحتاج طبيبا في هكذا مكان بعيد ومعزول؟".

"أبي، هنا قام جيسي جيمس بسرقة البنك مرتين"، قالت مارشا التي كانت تنظر على الخارطة من على كتف أبيها "اللعنة على جيسي جيمس"، تبرّم إدوارد غاضباً. "اد!" صاحت تريش "آسف" قال إدوارد على الرغم من عدم شعوره بالأسف بأي شكل. ومضى يقود السيارة.

بعد ست مكالمات حاول خلالها إدوارد نورس أن يكبح جماح عصبيته مستخدماً كلتا يديه، تمكن من إيجاد طبيب في بوليستون ليعاين هكتور في حال استطاع الوصول إلى العيادة قبل الساعة الثالثة عصراً. بوليستون كانت بعيدة عن مسار رحلتهم حوالي عشرين ميلاً للغرب من هامر كروسينغ، ولكن ما يهم الآن هو هكتور، كان إدوارد قلقاً جداً عليه. لم ير في حياته قط طفله فاقداً لكل طاقته بهذا الشكل.

كانت العائلة تنتظر في غرفة الانتظار في عيادة الطبيب براندون سويني بحلول الثانية بعد الظهر، وحينها بدأ إدوارد يعطس كذلك. كانت الغرفة ممتلئة عن بكرة أبيها ولم تتمكن العائلة من رؤية الطبيب لغاية الساعة الرابعة. لم تستطع تريش أن تجعل هكتور قادرا على استعادة حتى نصف وعيه بينما كان جسده متهالكاً، هي كذلك كانت تشعر بالحمّى تدبّ في جسدها. فقط ستان نورس ذو التسعة أعوام كانت لديه الطاقة الكافية للتململ.

خلال فترة انتظارهم في عيادة الطبيب سوييني قاموا بنقل عدوى المرض، والذي سُيعرف قريباً في البلاد المتفككة باسم "كابتن تربس" إلى أكثر من خمسة وعشرين شخصاً، بما في ذلك سيدة وقورة ضخمة البنية والتي حضرت للعيادة لدفع فاتورة قبل أن تقوم بنقل العدوى لمجموعة لعب البريدج بأكملها.

كانت تُعرف هذه السيدة الوقورة بكونها زوجة روبرت برادفورد، سارة برادفورد لمجموعة لعبة البريدج، وباسم كوكي لزوجها ولأصدقائها المقرّبين. كانت ليلة جيدة بالنسبة لسارة، ربما لأن أنجيلا دوبراي كانت معها في فريق واحد. كانتا على ما يبدو على قدر جيد من التخاطر السعيد، وربحتا ثلاث جولات وحققتا فوزاً مدوياً، كانت بطولة رباعية تلك الليلة. بالنسبة لسارة كان كل ما يعكر صفو تلك الليلة هو شعورها برشح بسيط، كان يبدو أن هذا الرشح لم يمهلها بعض الوقت، نظرا لكونها أصيبت بالرشح منذ فترة ليست طويلة.

ذهبت سارة وأنجيلا إلى الحانة لقضاء بعض الوقت الهادئ بعد انتهاء حفلتهما الساعة العاشرة مساءً. كانت أنجيلا غير مستعجلة الذهاب إلى منزلها حيث كان دور ديفيد لاستضافة لعبة البوكر في منزلهما، ونظراً لكونها لا تستطيع النوم مع تلك الضجة بدون أن تأخذ جرعة من المهدئ الذي وصفته بنفسها والذي في حالتها كان عبارة عن كأسين من الجن.

طلبت سارة الكوكتيل المسمى الدائرة رقم 8، وكلتاهما قامتا بإعادة رواية ما جرى في لعبة البريدج، وفي تلك الاثناء قامتا أيضاٌ بنقل العدوى للحانة في بوليستون، بما في ذلك شابان كانا يشربان البيرة بالقرب منهما. كان الشابان في طريقهما إلى كاليفورنيا كما في حالة لاري أندروود وصديقه رودي شوارتز اللذين ذهبا للبحث عن الفرص هناك، حيث وعدهما صديق هناك بإيجاد عمل لهما في شركة نقل، في اليوم التالي ارتحلا إلى الغرب ناقلين المرض بالاتجاه الذي ذهبا به.

الرسائل المتسلسلة لا تحقق غرضها. هذا أمرٌ معروف، المليون دولار التي يعِدونك بها إذا قمت بإرسال دولار واحد للاسم في أعلى القائمة وبإضافة اسمك إلى أسفل القائمة ومن ثم إرسال الرسالة لخمسة أشخاص لن تصل إليك أبداً. لكن سلسلة رسائل "كابتن تربس" Captain Trips كانت فكرة ناجحة للغاية. تم بناء السلسلة الهرمية بشكل جيد، ليس من الأسفل إلى الأعلى بل من الأعلى إلى الأسفل، وكان في أعلاها رجل من الحرس العسكري اسمه تشارلز كامبيون. كما تدين تدان حقاً. ولكن بدلاً من رسائل يحملها ساعي البريد على شكل حزم تحتوي كل منها على ورقة الدولار، تسبب "كابتن تربس" في حُزم من القتلى في غرف النوم وفي الخنادق وفي حفر الموت وتم إلقاء الجثث في المحيطات وعلى السواحل كافةً، وفي مقالع الحجر، وفي أساسات البيوت التي لم يكتمل بناؤها بعد. وفي النهاية، بطبيعة الحال، كانت الجثث تتعفن حيث سقطت.

عادت سارة برادفورج وأنجيلا دوبراي إلى سيارتهما في موقف الحانة (وقامتا بنقل العدوى لأربعة أو خمسة أشخاص التقتا بهم في الشارع)، وبعد ذلك قامتا بوداع بعضهما بقبلة سريعة على الخدين، وذهبت كل منهما في طريق منفصل.

ذهبت سارة إلى منزلها لتنقل العدوى لزوجها وأصدقائه لاعبي البوكر وابنتهما المراهقة سامنثا، وسامنثا بدون علم أهلها كانت مرتعدة من فكرة أنّ صديقها قد نقل إليها عدوى مرض السيلان وهي في الواقع كانت قد أصيبت به. ولكن في الحقيقة لم يكن لدى سامنثا ما تخاف منه بالمقارنة مع العدوى التي أصيبت بها من والدتها، كان مرض السيلان بالمقارنة مع ذلك المرض أشبه بالإصابة بأكزيما بسيطة في الحاجب.

في اليوم التالي، سوف تنطلق سامنثا لنقل العدوى للجميع في بركة السباحة التابعة لجمعية الشابات المسيحيات (YWCA). 

وهكذا دواليك.

من نفس القسم الثقافي