الثقافي

"وسيلة بورقيبة": أدوار سياسية من وراء ستار

العمل الذي نشرته "دار الجنوب" بالفرنسية قد يمثّل إضاءة أساسية لموقع "السيدة الأولى" في تونس

لأسباب كثيرة، لم تنشط كتابة السيرة السياسية في الثقافة التونسية، فباستثناء قلّة من الأعمال البيوغرافية التي اهتمّت في معظمها بسيرة الرئيس التونسي الراحل حبيب بورقيبة مثل "سيرة شبه محرّمة" لـ صافي سعيد، و"بورقيبة" لـ صوفي بسيّس، لن نجد الكثير من الأعمال السيرية إلى وقت قريب، بعد 2011 تحديداً، حين ازدهرت نسبياً الكتابة البيوغرافية وانتقلت من بورقيبة إلى فاعلين آخرين في زمنه خلال فترات تاريخية أخرى، لنقرأ سير شخصيات سياسية مثل أحمد بن صالح في كتاب "أحمد بن صالح وزمانه" لـ سالم المنصوري (منشورات نيرفانا)، أو الباجي قائد السبسي في كتاب "السير بين الألغام" لـ منذر بالضيافي (منشورات ورقة).

في السياق نفسه، صدر مؤخّراً كتاب "وسيلة بورقيبة: اليد الخفية" للمؤرخ التونسي نور الدين الدقي، وهو عمل يتصدّى إلى سيرة الزوجة الثانية للرئيس التونسي السابق، مبيناً تقاطعاتها مع الواقع السياسي في بلدها، وتأثيرها فيه، وهو من المواضيع الذي ظلّت غائبة عن البحث العلمي على الرغم من تداول التونسيين في حديثهم لتدخّل "الماجدة" في الحياة السياسية.

العمل الذي نشرته "دار الجنوب" بالفرنسية قد يمثّل إضاءة أساسية لموقع "السيدة الأولى" في تونس، فمن المعلوم أن كلاً من وسيلة بورقيبة وليلى بن علي بعدها مارستا أدواراً سياسية فاعلة على الرغم من عدم تقلّد أيّ منصب رسمي، وبذلك تمثّل كتابة سيرة إحداهن قراءة في معادلات النفوذ في تونس من زاوية قلّما يجري النظر من خلالها.

مثّلت وسيلة بورقيبة (1912 - 1999) سلطة موازية لحكم الرئيس بورقيبة منذ اقترانه بها في 1961، إلا أن العلاقة بين الطرفين بدأت في 1943 حين كان كلاهما في علاقة زوجية، وقد مثّل زواجهما منعطفاً في السياسة في تونس حيث اقترن بدخول حكم بورقيبة مرحلة من التصلّب والقمع السياسي مع فرض نظام الحزب الواحد، وتصفية عدد من منافسيه على الشرعية النضالية.

لاحقاً، لعبت وسيلة بورقيبة أدواراً كثيرة في تعيين أعضاء الحكومات وإسقاطها، خصوصاً مع دخول بورقيبة في شيخوخته التي انتهت بإسقاط حكمه في 1987، وقد مثّلت وسيلة خلال فترات نفوذها مصالح قوى أساسية مثل الأسر الأرستقراطية، وهي التي تنحدر من إحداها، إضافة إلى أنها تزعّمت ما يعرف بـ"البلدية" وهم السياسييون الذين ينحدرون من تونس العاصمة مقابل السياسيين المنحدرين من منطقة الساحل.

من نفس القسم الثقافي