الثقافي

حافظ إبراهيم.. شاعر النيل وموقعه

وضع شعر حافظ إبراهيم كأحد أبرز معالم التحديث الفنّي والصدق الوجداني

مرت أمس ذكرى ميلاد الشاعر المصري حافظ إبراهيم (1892 - 1932)، كما في حياته، بقي الشاعر المصري حافظ إبراهيم (1872 - 1932) يعيش في ظلّ مواطِنه ومعاصِره أحمد شوقي، على الرغم من انتصار العديد من النقّاد خصوصاً في منتصف القرن العشرين له على حساب صاحب "مصرع كليوباترا"، لأسباب تتعلّق بالرونق الأسلوبي، وأخرى انتصاراً لمصريّته مقارنة باختلاط الهويات لدى شوقي واعتباره شاعراً قريباً من القصر. فما الذي أبقى إبراهيم في الصف الثاني دائماً؟

لعلّه الشاعر نفسه، فهؤلاء الذين ينتصرون لشعره ومواقفه وشخصيّته تتراجع حججهم حين يعودون إلى تاريخ المرحلة حيث يعرفون جيداً أن حافظ إبراهيم كان يقرّ بتفوّق قصيدة شوقي، كما أنهم لا يغفلون عن أن حافظ كان وراء إطلاق لقب "أمير الشعراء" ليكتفي هو بانتظار دوره غير أن المنية أتته بأسابيع قبل صديقه فاكتفى بلقب "شاعر النيل".

لكن هذا الموقع الذي اتخذه إبراهيم يعود أيضاً إلى تفاصيل أخرى، ومنها أن الأغنية الطربية حين التفتت إلى القصيدة اتخذت من مدوّنة أحمد شوقي معيناً لها، وهو ما يتجلّى بالخصوص مع محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وإن كانت الأخيرة قد غنّت له إحدى أشهر قصائده "مصر تتحدّث عن نفسها".

من جانب آخر، ورغم أن النقد - خصوصاً لدى جماعة "الديوان" - قد وضع شعر حافظ إبراهيم كأحد أبرز معالم التحديث الفنّي والصدق الوجداني إلا أنهم مثلهم مثل سائر النقّاد لم يستثمروا في شعره كثيراً فيخرجوا بما لم يتلقّفه القرّاء من التلقّي الأول.

هنا، يمكن الإشارة إلى مسألة أساسية تتعلّق بأن شعر صاحب "العربية ترثي نفسها" لا نجد فيه خطاً تصاعدياً حيث يبدو كأنه قد وُلد مكتملاً لكنه توقّف عن النموّ في بقية مساره، الأمر الذي يشير إلى توقّف الشاعر المصري عن التطوير الذاتي مع شعوره بحفاوة استقبال قصائده التي قيل معظمها في مناسبات يعسر أن نتصوّر وجود صوت ناقد داخلها، وإن كان بعض شعره الذي تجاوز هذه الروح المناسباتية يمثّل نماذج من أجمل ما قيل شعراً في بداية القرن العشرين.

ما يأسف له القارئ اليوم ليس قلّة العودة النقدية أو الاستعادية عامة لحافظ إبراهيم بل إخفاء شعره لبقية أبعاد شخصيته ومنها حياته، ولكن أكثر من ذلك جوانبه الإبداعية الأخرى مثل الترجمة، وكذلك نثره حيث نستحضر هنا كتابه "ليالي سطيح" والذي يمثّل شهادة صادقة وجارحة عن عصره.

من نفس القسم الثقافي