الثقافي

أمل بوشارب.. المتمرّدة وتفكيك خطابات الهيمنة

تؤسّس لخطابٍ أدبي وجمالي مقابل خطاب الهيمنة الثقافية

 

منذ صدور مجموعتها القصصية الأولى "عليها ثلاثة عشر" قبل قرابة ستّ سنوات، برز اسم الكاتبة الجزائرية المقيمة في إيطاليا، أمل بوشارب (1984)، ضمن أسماء قليلةٍ تجاوزت أسئلة الكتابة النسوية التقليدية لتنفتح على قضايا راهنةٍ تشغل البلاد العربية والعالم؛ مثل العلاقة المتوتّرة بين الشرق والغرب؛ وهي ثيمةٌ ستحضر بأشكالٍ متعدّدة في أعمالها اللاحقة: روايتا "سكرات نجمة" (2015)، و"ثابت الظلمة" (2018)، وقصّة "المتمرّدة" التي صدرت العام الماضي باللغة الإيطالية.

 

"تجلّيات النيوكولونيالية في سرد أمل بوشارب" كان عنوانَ ملتقىً وطني نظّمته مؤخّراً "جامعة مرسلي عبد الله" في مدينة تيبازة، غربي الجزائر العاصمة، بالتعاون مع "مخبر الممارسات الثقافية التعليمية والتعلمية" في الجزائر، بمشاركة أكاديميّين وباحثين من جامعات جزائرية مختلفة قدّموا ست عشرة ورقةً حول قصص بوشارب ورواياتها.

 

 

المركز والهامش

في مداخلتها التي حملت عنوان "تجاذبات المركز والهامش في السرد القصصي عند أمل بوشارب"، تطرّقت نوال قرين من "جامعة قاصدي مرباح" في ورْقلة إلى حضور ثنائية المركز والهامش في كتابات المرأة بشكلٍ عام، وارتباط هذه الكتابات زمنياً بمرحلة ما بعد الكولونيالية، بوصفها حقلاً من حقول الدراسات الثقافية التي تُعنى بالبحث في العلاقات الثقافية بين الغرب/ المستعمِر وبين ما يقع خارج دائرته؛ ما يُحمّل تلك الكتابات رمزيةَ المرحلة من جهة، ويُكسبها خصوصية الكتابة النسوية من جهةٍ ثانية.

 

تؤسّس لخطابٍ أدبي وجمالي مقابل خطاب الهيمنة الثقافية

تُخصّص قرين دراستها لقصّة "المتمرّدة" (2019) التي أصدرتها بوشارب عن دار "Buendia Books" في تورينو الإيطالية، وتروي حكاية أخصائية نفسانية شابّة تُدعى لوتشيا، تجد لذّةً في قصص القتل والعنف والاغتصاب وتنزع إلى ممارسة العنف اللفظي والجسدي، وفي الوقت نفسه تعملُ مع صديقتها الصحافية مارتشيلا في جمعيةٍ تهتمّ باللاجئين في إيطاليا. غير أنَّ ما يبدو إنسانياً في ظاهره، ليس كذلك في حقيقته؛ إذ إنَّ الهدف الحقيقي من هذا العمل "الإنساني" يتمثّل في تحطيم هؤلاء اللاجئين، للاستفادة منهم مادياً في برامج العلاج النفسي الموجّهة للأطفال.

تَعتبر المحاضِرة أنّ القصّة تعكس الفكر الثقافي ما بعد الكولونيالي، الذي يُمثّل قطيعةً مع الفترة الاستعمارية في بعض وجوهها وتقاطعاً معها في بعض وجوهها الأُخرى، مضيفةً أنَّ أبرز مكوّنات السرد ما بعد الاستعماري التي تتجلّى في هذه القصّة هي ثنائية الهامش/ المركز، والتي تتفرّع عنها ثنائيات أُخرى؛ مثل الأنا/ الآخر، والشرق/ الغرب.

وتُورد قرين بعض النقاط التي تعكس، برأيها، تجاذباتِ تلك الثنائية؛ مثل صورة الإنسان العربي في المخيال الغربي، بوصفه إرهابياً ومتعطّشاً للدماء، وصورة اللاجئ السوري الذي لا يعدو أنْ يكون دخيلاً في المجتمع الذي وفد إليه، إضافةً إلى صورةٍ معاكسةٍ لتلك التي يُحاول الخطاب الاستعماري رسمها لنفسه؛ متمثّلةٍ في الجمعية الإنسانية التي تُسمّى "ذات الرداء الأحمر"، في إحالةٍ إلى حكاية الفتاة الوديعة التي يُحاول الذئب افتراسها، بينما تُمثّل الجمعيةُ في القصّة الذئبَ نفسه.

وتخلُص المداخَلة إلى أنَّ القصّة تُفكّك، في سرد مكثّف، السياسات الغربية التي تمارَس باسم المساعدة الإنسانية، وتقدّم صورةً عن الصراع الحضاري والفكري الذي يدور اليوم في الغرب، ونظرته إلى الشرق في فترة ما بعد الكولونيالية.

 

إنطاق "التابع"

وفي مداخلته التي حملت عنوان "التابع يتكلّم"، اعتبر إبراهيم بوخالفة من "جامعة مرسلي عبد الله" في تيبازة أنَّ بوشارب تمتلك رؤيةً فكرية ذات بُعد نقدي، تسعى من خلالها إلى ترميم صورة العربي المقيم في الغرب بوصفه "تابعاً" يقع تحت تأثير سلطة سياسية أو كولونيالية، ولا يجد الرغبة في مقاومة مضطهِده، ولا يسعى إليها، لأنّه يراها من طبيعة الأمور، مضيفاً أنَّ بعض قصصها تسعى إلى إنطاق "التابع" وإعادة تمثيله كائناً مكتمل الإنسانية، لا يدين بوجوده للغرب، ولا لأيّة سلطة خارجية.

يستشهد المحاضِر، في هذا السياق، أيضاً بقصّة "المتمرّدة" التي نعثُر فيها على حكاية فتاةٍ تُدعى جميلة (مِن أُسرةٍ مغربية اضطرّها وضعها الاقتصادي للهجرة إلى إيطاليا والإقامة فيها)، تجد نفسها تحت رحمة منظّمةٍ "إنسانية" تُتاجر بقضايا اللاجئين، وفي مواجهة أسئلةٍ نمطية تُوجّهها لها الصحافية مارتشيلا، بحثاً عن أجوبةٍ توافق توقُّعات مخيال النخبة الأوروبية الذي صنعه "أرشيفٌ ممتدٌّ من النصوص الاستشراقية"، غير أن الفتاة تتمرّد على الصحافية وترفض الاستجابة لتمثيلاتها وصورها النمطية، ما يجعل الأخيرة تستاء من "تمرّد التابع"، فتنفجر في وجهه بسلسلة من النعوت المحقِّرة.

برأي بوخالفة، فإنَّ القصّة تعكس الطبيعة العنصرية للصحافية الغربية من جهةٍ، والطبيعة اللاإنسانية للمنظّمات التي تُسمَّى إنسانيةً من جهةٍ أُخرى، ونظرة الإعلام الغربي إلى العرب التي لم تتغيّر منذ قرون، بل ازدادت سوءاً؛ فالمرأة العربية يجب أن تكون كما يُمثّلها الاستشراق وأدب الرحلات الغربي وعلم الأنثروبولوجيا، وعندما تُجيب جميلة بما يخالف هذا النمط الثابت تُرفَض إجابتها: "المهيمن هو الذي يسأل، وهو الذي يُحدّد الإجابة وفق رؤيته الفكرية وإطاره الأيديولوجي".

ويختم بوخالفة مداخلته بالقول إنَّ "قصص بوشارب تُمثّل محاولةً جادّةً لترميم صورة العربي، وإعادة تمثيله تمثيلاً إيجابياً في الحواضر الغربية"، مُعتبراً أنَّ "السرد هو السبيل الوحيد لمقاومة الرواية الغربية وتفكيك مقولات الإمبراطورية".

 

التاريخ من الأسفل

الموضوع نفسُه والقصّةُ نفسُها كانا محورَي مداخلة كمال بن عطية من جامعة الجلفة، والتي حملت عنوان "صحوة التابع وأفق الكتابة في قصّة 'المتمرّدة'"، وفيها يُشير إلى أنَّ بوشارب صوتٌ روائيٌ يُشكّل حالةً مِن السرد المضادّ الذي ينسجم مع طروحات ما بعد الكولونيالية، ويسعى إلى تفكيك مقولات الاستعمار وإعادة الاعتبار للذات المستضعفة وتحويلها من موضوع للمعرفة إلى ذات عارفة، مضيفاً أنها "تكتب التاريخ من الأسفل".

 

محاولة لترميم صورة العربي وإعادة تمثيله بشكل إيجابي

يعتبر بن عطية أن قصّة "المتمرّدة" تُزاوج بين ثلاثة مقاطع سردية ذات بُنىً دلالية مختلفة؛ تتمثّل البنية الأولى في تفكيك خطاب الهيمنة، والثانية في عرض "التابع" وكلامه وصحوته في رفض كل أشكال الهيمنة والتعالي، والثالثة في العلاقة بين الشرق والغرب من التصادم إلى التكامُل.

ويصل المحاضر إلى أنَّ بوشارب تدفع القارئ إلى تأمُّل جدوى الخطاب ما بعدَ الكولونيالي وخطاب المقاومة والسرد المضاد، والتفكير في وسائله وآلياته الخطابية والحجاجية لدحض المقولات الكولونيالية ومفرزات خطاباتها، وذلك في غياب الخطاب الداعم والأُطُر الاجتماعية للمعرفة في البلاد العربية، ليتساءل في النهاية: هل يمكن لسرد "التابع" أن يُقنع الدوائر الغربية بالعدول عن المقولات والسلوكيات الإمبريالية تجاه الشعوب المستضعفة، أو على الأقلّ التخفيف من حدّتها؟

 

خطاب مضادّ

أمّا عبد الكريم شرفي من جامعة المدية، فتحدّث في ورقته المعنونة بـ "الخطاب الكولونيالي والخطاب المضاد" في قصّة 'المتمرّدة' لأمل بوشارب"، عمّا سماه وعياً من الكاتبة بآليات اشتغال "الخطاب الكولونيالي"، كما عرّفه إدوارد سعيد وهومي بابا وغياتري سبيفاك وميشال فوكو، والذي تستخدمه إمبريالية العصور الحديثة للترويج لقيمها وأيديولوجياتها الخاصّة والتمكين لها بوصفها قِيَماً إنسانية وعالمية، في حين أنّها في حقيقة الأمر أفكارٌ وقِيَمٌ وأيديولوجياتٌ استعمارية واستغلالية يُراد تكريسها في كلّ الثقافات وتمريرها بطُرُقٍ خفية للهيمنة على العالم.

يعتبر شرفي أنَّ بوشارب أنتجت، في قصّتها، خطاباً مضاداً تُناوئ به قيم الهيمنة الكولونيالية وترفضها وتفكِّكها وتقوِّضها وتعرّيها، باعتبار أنّ الخطاب الكولونيالي يحمل تناقضاته في طياته؛ حيثُ وجّهت طعوناً حاذقة من موضع "الهامش" ضدّ خطاب سائد وراسخ يخدم مصالح المركزية الإمبريالية، مُضيفاً أنها نجحت في إذكاء هذا الصراع بين الخطاب الكولونيالي وخطابها الخاص، المضاد والمقاوِم، من خلال الاشتغال الرمزي على كلّ الثنائيات التي مكّن لها خطاب الهيمنة الاستعمارية وقْلِبها لصالح المهمَّش والمستعمَر والمستبعَد؛ حيثُ يَظهر الأخيرُ في القصّة (من خلال شخصية جميلة) غير خاضع، ومتمرِّداً، ومتعالياً على القوالب الجاهزة التي عمل الخطاب الكولونيالي على حشره فيها.

تُمثّل "المتمرّدة"، بحسب شرفي، اشتغالاً واعياً على خطابَين متلازمَين ومتناقضَين، يستدعي أحدهما الآخر ويقصيه في الوقت نفسه، جمعت بينهما الكاتبة بحيث جعلت أحدَهما موضوعاً لعملية التفكيك والهدم، والآخرَ وسيلةً لتحقيق تلك الغاية.

وتحت عنوان، "البراديغم الكولونيالي في قصّة 'المتمرّدة'"، قدّم مصطفى بوخال مداخلةً اعتبر فيها أنَّ أدب بوشارب يتميّز بوعيٍ بالمرحلة المعاصرة الحافلة بالتناقضات الاجتماعية والثقافية والسياسية، ويطرح مقاربةً جديدة تُسهم في بناء علاقة غير متوتّرة بين الأنا والآخر، تنتصر للإنسان ومصيره، مُدرجاً كتاباتها ضمن "سرديات ما بعد كولونيالية التي تُكرّس لخطاب الهوية والخصوصية الحضارية، وتؤسّس لخطابٍ أدبي وجمالي يوازي خطاب الهيمنة الثقافية السائر على خطى التقاليد الكولونيالية الجديدة".

يلفتُ بوخال إلى أنَّ صفات وأمراض العصر تتلبّس شخصيات القصّة وتتحكّم في خطابها وسلوكها، وأنّ البراديغم الكولونيالي يُهيمن على فكر وأسلوب عمل المؤسّسات العالمية غير الحكومية، مُشيراً إلى بؤرةٍ مركزية في القصّة؛ تتمثّل في أنَّ المنظّمة "الإنسانية" التي تُعنى باللاجئين ليست سوى شبكةٍ إجرامية تستغلُّ الأطفال وتعمل على سحبهم من عائلاتهم الأصلية وإعطائهم لعائلات أخرى مقابل مبالغ مالية كبيرة.

ويوضّح المتحدّث أنَّ اسم المنظّمة (ذات الرداء الأحمر)، المستمَدّ من حكايةٍ شعبية عالمية، هو بمثابة تناص لهُ فعل السرد المضادّ للبرنامج المسطَّر من طرف مارتشيلا ولوتشيا ومن ورائهما "الغابة المملوءة بالحيوانات المفترسة"؛ إذ يكشف المجاز عن حقيقة صور الغزلان التي تجوب حظيرة العالم تحت مسمّيات الديمقراطية، ومنظّمات حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والتي ليست "في جوهرها سوى ذئابٍ تبحث عن فريسة لها".

 

وعي الحرب وكتابتُها

حول القصّة نفسها، قدّمت علجية مودع من "جامعة مرسلي عبد الله" ورقةً بعنوان "تداعيات الأدب الأسود عبر بزنسة وعي الحرب: قصّة 'المتمرّدة' لأمل بوشارب أنموذجاً"، وذهبت فيها إلى أنَّ القصّة تعكس تمظهرات النيوكولونيالية في أدقّ صورها، من خلال قضية التلاعب بالحرية الإنسانية التي تتجلّى في دور الصحافية الجشعة التي تسعى إلى الكسب المادي دون مراعاة الرسالة الإنسانية، وأيضاً في المنظّمة الإنسانية التي تُتاجر بالحرب، بالتخفّي وراء شعارات حقوق الإنسان.

تعتبر مودع أنّ بوشارب أرادت، من خلال هذه التجربة السردية، تقديم قضايا اجتماعية وإنسانية راهنة ومرتبطة بشكلٍ وثيقٍ بالظروف السياسية التي تعيشها أغلب البلدان العربية، وتسليط الضوء على كيفية استغلال هذه الظروف بطُرُق غير مشروعة، مُستخدمةً في ذلك أسلوباً سردياً يقوم على التكثيف ضمن نصٍّ يتقاطع مع نصوص سردية كثيرة ويستحضر أجناساً أدبية عديدة.

أمّا يوسف مقران، فقدّم مداخلةً بعنوان "من أسئلة الكينونة في المتن السردي لأمل بوشارب من خلال أقصوصة 'ثَورَتُـ(هنّ)'"؛ إحدى قصص مجموعتها "عليها ثلاثة عشر" (2014)، معتبراً أنّ الكاتبة تهتمّ بتمرير خطاب نسوي عبر متنها السردي، لتطرح من خلاله جملةً من القضايا الإشكالية؛ ومنها ما يُسمّيه "أسئلةَ الكينونة الوُجودية" لدى المرأة، كفردٍ وكمجموعة.

يذهب المحاضر إلى أنَّ شخصيات القصّة تُعبّر عن "كينونة التبعية والدعة الوهمية والطاعة المفروضة"، وأنَّ الكاتبة تشخِّص هذا الوضع والمسؤول عنه والمتسبِّب فيه، مندّدةً بكينونة مطارَدة في مجتمعات أبوية/ ذكورية لم تقدر على إنشاء علاقات حوار مع هذه الكينونة المُوكَلة في الأغلب إلى مصائر مبهمة في ظلّ ظروف اجتماعية تَعكس ترسّبات متأزِّمة لم يستطِع الفكر العربي تقديم حلولٍ وافية لها، مُضيفاً أنَّ النص يطرح سؤالاً حول صعوبة الخروج من الحلقة المفرغة التي تقوقعت فيها القضايا المتّصلة بالمرأة.

"ثنائية المركز والهامش في أدب أمل بوشارب: رواية 'ثابت الظلمة' أنموذجاً"، كان عنوان مداخلةٍ مشتركة بين سعيد عبد القادر عموري ونادية العقّون ركّزا فيها على حضور هذه الثنائية في الرواية الصادرة سنة 2018، وما يتفرّع عنها من ثنائياتٍ أُخرى؛ أبرزها: السلطة/ الشعب.

 

برنامج سردي وفكري يواجه الوضع النسوي وينتقده من الداخل

يُوضّح المحاضران أنَّ جدلية المركز والهامش تتركّز في الرواية حول الدين والعرق والجغرافيا واللون واللغة والجنس، وأنَّ كلّ هذه العناصر تؤدّي دوراً في بناء علاقات السلطة والنفوذ داخل المجتمع الجزائري، نتيجةَ الثقافة الكولونيالية؛ حيثُ إنَّ لهذه الثنائية دوافع جذرية داخل الفكر الإمبريالي؛ تتمثّل خصوصاً في الاستغلال من طرف المركز، والخضوع من طرف الهامش.

تنعكس هذه الثنائية، بحسب المحاضرَين، على الصراع القائم بين شخصيات الرواية حول النفوذ وتسلُّق أعلى مكان في السلطة على حساب الشعب؛ حيث تُجسّد الثنائية مشاهد تُوضّح آثار الثقافة الاستعمارية الغربية على الثقافات الأخرى التي تقع خارج منظومتها؛ ومنها العالم العربي.

وتحت عنوان "جدليات حضور الآخر والشعور بالدونية في المشروع السردي لأمل بوشارب - وقوفاً عندَ قصّة 'السمراء'"، قدّمت نصيرة علاك مداخلةً خصّصتها للنص الصادر ضمن مجموعة "عليها ثلاثة عشر"، مشيرةً إلى أنَّه يتضمّن خطاباً نسوياً يدعو إلى التغيُّر والتغيير، من خلال شخصيتها المحورية؛ وهي فتاةٌ تُدعى سمراء، ذات طبيعة نفسية متوتّرة بسبب عدم رضاها عن صورة نفسها عند الآخر لكونها سمراء، مُضيفةً أنّ هذا الطرح أتاح للكتابة برنامجاً سردياً وفكرياً يقوم على مواجهة الوضع النسوي القائم ورفضه بالكِتابة وانتقاده من الداخل.

وتصف المحاضِرةُ القصّة بأنها "نصٌّ مُغرِض يستدرج الآخر لإثبات الذات، بوساطة حوار داخلي كثيراً ما أسفر عن تحويل هذا الآخر، بقليل من التلاعب والمراوغة، إلى مجرَّد أداة مسخَّرة في سبيل ذلك الإثبات النفسي والجمالي والاجتماعي والأخلاقي، أي إثبات وجود الذات مركَزاً وغايةً"، مضيفةً أنَّ الكاتبة لم يسعها إلّا أنْ تعترف بوجود هذا الآخر، ليس بوصفه غريباً نتقرّب منه أو نبتعد عنه ونتقّي شرّه، وإنما بوصفه شريكاً.

من جهتها، قدّمت رقية موسود ورقةً بعنوان "صورة الملوَّن ووهم النقاء العرقي في الخطاب الكولونيالي - قصّة "السمراء" أنموذجاً: دراسة ثقافية"، وفيها انطلقت ممّا تسمّيه تبعات الخطاب الكولونيالي العرقي والعنصري، وما تحتويه الثقافة العربية مِن أفكار عنصرية عرقية، جعلت من نسق اللون وما يترتّب عنه من تمييز يفرض عقلية النقاء العرقي وتفوُّق اللون الأبيض على الأسمر.

تعتبر المحاضِرة أنّ القصّة تُظهر تجذُّر نسق العنصرية في الثقافة العربية؛ حيث تستشهد بمقطعٍ تقول الكاتبة فيه: "لم تكُن تشعر يوماً بالرضا عن لونها، كانت بشرتها السمراء الأدكن بقليل من لون الحنطة... تُشعرها بالنقص"، مُعتبرةً أنه يُظهر أنَّ الوعي المغلوط وعدم تقدير الذات منبثٌّ في تفكير المرأة التي أصبحت تعاني من النقص لمجرّد أنها بشرتها سمراء، مضيفةً أنَّ النظرة الدونية لنفسها ترسّخت حينما قُورنت بنظرة الآخر ولقيت رفضاً من قبل محيطها، رابطةً هذا الوضع بانتشار الأفكار الأيديولوجية التي تُمجّد الأبيض، وتعمد إلى تكريس "مركزية عرقية".

وتخلص موسود في دراستها إلى أنَّ القصّة تُؤكّد أنَّ وهم النقاء العرقي ليس متجذّراً في الثقافة الغربية فحسب، بل هو متأصّلٌ في الموروث الثقافي العربي منذ القِدَم، وأنَّ الخروج من نفق هيمنة اللون الأبيض، يكون عن طريق الخروج من نفق العمى الثقافي وتمجيد الغرب والتبعية له.

من نفس القسم الثقافي