الثقافي
الشكل الجمالي والتقييد الخطي في أعمال الجزائري إمحمد صفار
باعتباره مادة متصلة بالمرجعية الروحية والقيمية، وبالشكل الفني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 جانفي 2020
يستند الخطاط إمحمد صفار باتي في منجزه الفني على التعبير بالخط العربي، باعتباره مادة متصلة بالمرجعية الروحية والقيمية، وبالشكل الفني، وباعتباره مادة متصلة بالضوابط الجمالية والقواعد التقييدية، لذلك فهو يثبت مختلف النصوص الخطية في الفضاء وفق خاصيات فنية رائقة، واعتمادها وفق أسس تقعيدية ذات ضوابط جمالية يراعي من خلالها المقاسات والتوزيع في المساحة حسب الحاجة، بإضفاءات جمالية أساسها اللون والشكل.
هو مسلك يوظف من خلاله المبدع عدة تصورات ورؤى فنية تتمرأى في أشكال تعبيرية فصيحة، تتوقف على مناحي متعددة من القراءات. إذ تتميز أعماله الخطية بحتمية جمالية تمتح مقوماتها الفنية من الثقافة المحلية والمرجعية العربية الإسلامية، فالعمل الإبداعي لديه ينفذ إلى الأعماق التي يشتملها الموضوع، وهو يوفر له كل ما يجعل الرؤية تتكامل من حيث كونها أعمالا ذات هيكلة خطية بطبائع تعبيرية وفنية معاصرة، فالمبدع يبني الفضاء على أنقاض الأبعاد الجمالية للفراغ، وللموسيقى بعد حقيقي في تراسيمه الخطية، وتبدو الحركة من بين أهم الأسس الفنية التي تغذي أعماله وتمنحها جمالا متفردا.
كما أن بناء فضاءات أعماله يسمح بخروج المادة الخطية إلى حيز الوجود الحسي والبصري بكثير من المهارة والتقنيات العالية، وبكثير من الدقة في الوضع، وهو ما تسمح به تجربته الرائدة في الحركة الخطية المعاصرة كي تمنح المجال الخطي إضفاءات من الأشكال الخطية الجمالية.
فالمبدع يحسب حسابا دقيقا لصنع حيز إبداعي متكامل، وصنع دور فعال لتمثيل خصائص الابتكار في الخط العربي، بدون المساس بالضوابط الخطية وبالتقييدات والقواعد الجمالية. وفي هذا الدور يكمن سر المعاصرة وحداثة الأسلوب الخطي لديه. وهو ما يتيح للقارئ التأمل بعمق في أعماله لاكتشاف عوالم جديدة في الخط العربي، تسهم في فهم عالمه الإبداعي.
فهو وإن كان يتواصل مع المادة الخطية بوجدانية وتفاعل روحي، فإنه في الآن نفسه يتفاعل مع المادة الفنية المعاصرة بعمق كبير، ليبلغ نتيجة ناضجة تتعلق بقيمة الفضاء أولا، ثم بقيمة الحرف العربي، وبقيمة الشكل واللون، ثم يُوجّه مسار التعبير إلى المستوى الفني والجمالي الصرف، حيث يظهر بوضوح التكامل في التأليف بين مختلف العناصر والمفردات والأشكال المليئة بالمضمرات الفنية، والفراغات والأحجام في الخط، ليحقق بذلك مساحة خطية إبداعية تمنح أعماله الخطية توازنا وانسجاما، وبذلك يظهر أسلوبه الخطي جليا من خلال بسط طريقة التحوير في شكله المتكامل، بعد مروره بمختلف مراحل التطوير والتغيير، وبعد إخضاعه للزوميات القواعد الصارمة، ثم التحرر في المادة الفنية وعلى مستوى الشكل العام.
كما أن بعض الأشكال تأخذ بعدها الجمالي في صيغ متنوعة، إذ إن كل جديد في رؤية الخطاط إمحمد صفار باتي يتخذ مسارا نوعيا تنبني عليه الرؤى الجمالية للخط العربي، ليس بمعزل عن المفردات الفنية والجمالية المعاصرة، وهو ما يعني أن المبدع وإن كان يحرص على الضوابط الخطية؛ فهو يوظف المادة الخطية برمتها بلون محدد استجابة لضرورة استمرار الشكل الخطي المضبوط الخاضع للتقييدات المتعارف عليها، وأيضا لكي يتناغم القارئ مع الطابع الخطي المقيد بالصرامة.
إنه بُعد واضح في منجزه الخطي، يتفاعل معه ليسهم بالمضامين وبالخط في البروز، ويدعم القوة الخطية الممزوجة بالصرامة. وهذا يمنح انطباعا بأن المبدع يجعل في نسيج أعماله بؤرة مركزية تتمثل في الخط الصارم، ثم يعتني باللون الخلفي ولون الخط، وهو أمر يدعم أسلوبه الإبداعي، ويثبت القوة الخطية الصارمة، ولذلك يتميز الخطاط بتجربته الرائدة في هذا المجال، وبهذا الأسلوب الراقي، ليقدم منجزا غنيا بالجمال الفاتن، المقرون بالزخرفة أحيانا في أبهى روائعها الفنية والجمالية. يبسطها بكميات متوازنة في الفضاء، وبذلك فهو يحقق التوازن الفني ويعطي للخط العربي قيمة مضافة في النسيج الخطي العربي والعالمي بمرجعية روحية صرفه، لأن ما يوظفه من مضامين روحية يتوافق مع منجزه الفني المحدد في جماليات الخط وجماليات الزخرفة والمسلك التعبيري. وهو ما ينم عن بلاغة المبدع وعبقريته الخطية في صياغة عمليات التوظيف الإبداعية وفق ما يطمح إليه، وكذلك مرونته في التفاعل مع الخط والشكل واللون، بقيمة جمالية ساحرة، ولذلك تظل أعماله غاية في الإبداع والجمال، تستزيد كل حين جمالا وروعة.