الثقافي
"الجندي والدولة والثورات العربية": فك اشتباك
يعرض بتأن ومنهجية العلاقات العسكرية - المدنية في البلاد العربية خلال مراحل التحول
- بقلم
- نشر في 11 ديسمبر 2019
تتعدّد الدراسات في السنوات الأخيرة حول بنية المؤسسة العسكرية في العديد من البلدان العربية منذ نشأة دولة الاستقلال، بسبب مآلات الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2011، وكيفية تعامل الجيش في كل بلد منها، وبالنظر إلى الأحداث الجارية في السودان والجزائر خلال الأسابيع الماضية، وترقب ما ستمضي إليه من نتائج.
صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" حديثاً كتاب "الجندي والدولة والثورات العربية" للباحث الجزائري طيبي غماري، الذي يعرض بتأن ومنهجية العلاقات العسكرية - المدنية في البلاد العربية خلال مراحل التحول.
أسس المؤلّف مقاربته على مسلّمة مفادها أن تشكُّل العلاقات العسكرية - المدنية في دول الربيع العربي يرتبط في الأصل بتاريخية هذه العلاقات في المراحل التي سبقت التحول؛ أي أن تصرّف الجيوش العربية بالأساليب المختلفة ليس إلا نتيجة أعوام طويلة من التسيير المختلف والمتباين للعلاقات العسكرية - المدنية في العالم العربي. كما تقصّى الظروف والمظاهر التي تحكّمت في ردات فعل الجيوش العربية في مراحل التحول لفهمها، من خلال شبكة تحليل ربما تكون قادرة على تفكيك العلاقة بين العسكري والمدني؛ على نحو يمكّن من إدراك سبب التباين في ردات الفعل هذه.
في الفصل الأول، "العلاقات العسكرية – المدنية"، يتناول الكتاب الحدود الفاصلة بين صلاحيات المصالح العسكرية والمصالح المدنية، وهي حدود تتحكم فيها المكانة والوظائف الموكلة إلى الجيش وأفراده، ضباطاً وجنوداً، علماً أن تلك المكانة والوظائف ترتبطان على نحو خاص بتاريخية العلاقة بين الجيش ومسارات بناء الدولة، إذ تعتبر الجيوش العربية من أكثر جيوش العالم تورّطاً في الأزمات السياسية منذ سقوط الخلافة الإسلامية في صيغتها العثمانية إلى اليوم.
يورد الفصل الثاني، "مقاربات العلاقات العسكرية – المدنية"، خمس نظريات حول العسكر وعلاقاتهم بالمدنيين، هي: نظرية هنتنغتون (الهدف الأول للسياسة الاحترافية للجيش هو تطوير نسق علاقات عسكرية - مدنية قادرة على ضمان الحد الأقصى من الأمن العسكري بحد أدنى من التضحية بباقي القيم الاجتماعية، مع المحافظة على الحياد)؛ ونظرية فاينر (خلفيات الجيش السوسيولوجية والأنثروبولوجية والتاريخية هي التي تحدد أشكال ردات فعل العسكر على المثيرات الصادرة من الجهات المدنية، إضافة إلى شبكة معقدة من العلاقات بين المدني والعسكري)، ونظرية جانُوِيتز (مقاربة سوسيولوجية تنطلق من ضرورة إشراك العوامل الاجتماعية والثقافية في نشر ثقافة أسبقية المدني على العسكري، وتتعلق الاحترافية بعمل بيداغوجي يهدف إلى نشر ثقافة هيمنة المدني على العسكري، وخدمة العسكري للمدني بطواعية).
إلى جانب نظرية مهران كامرافا (تصنيف ثلاثي للعلاقات العسكرية - المدنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: صنف الضباط السياسيين المستبدين، وصنف الملكيات المؤسسة على القبلية، وصنف الجيوش ذات التبعية المزدوجة)، ومقاربة زولتان باراني (جيوش البلدان التي مستها الثورات العربية أربعة أصناف: الجيوش التي وقفت مع الثوار كما في مصر وتونس، والجيوش التي انقسمت حول دعم الثورة كما في اليمن وليبيا، والجيوش التي قررت الحفاظ على الوضع القائم كما في البحرين وسورية، وجيوش الملكيات العربية المعزولة عن الحراك السياسي في مجتمعاتها).
يبيّن الفصل الثالث "الشبكة التحليلية الشارحة: العلاقات العسكرية - المدنية في الوطن العربي" أن الجيوش العربية تأثرت، في تشكيلها وتنظيمها، بتاريخية المجتمع وتركيبته، وبطبيعة النظام السياسي للدول التي تنتمي إليها.
ويدرس غماري في الفصل الرابع، "تحليل ردات فعل جيوش ثورات الربيع العربي"، حالة جيوش دول الثورات الخمس (ليبيا ومصر وسورية واليمن وتونس) حالة بحالة، من خلال التعريف بالجيش، انطلاقاً من إحصاءات عام 2010؛ لأنها تعبّر عن الحالة التي كانت عليها الجيوش المدروسة آنذاك.