الثقافي
"إعادة الأعمال الفنَّيةَ": آثارنا المنهوبة في نقاشهم الثقافي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 30 أكتوبر 2019
إنَّ تفكيكَ الإرث الاستعماريّ مهمةٌ ثقافيّةٌ بالدرجة الأولى. وقد شملت، في مراحل سابقة، التاريخَ العسكري والسياسي المشتركَ بين المستعمِر والمستعمَر، وتَعدَّته الآن إلى المجال الثقافي-الفني. إذ كان من تَبِعات الاحتلال الكبرى، وليسَ من تفاصيله الثانويّة، انتقالُ نِتاج الأعمال الفنية والصنائع اليدويَّة للشعوب والقبائل الأفريقية إلى الغرب ومَتاحِفه وقُصور ذوي اليسار الخاصة، ضمن عمليات اختلاسٍ ونَهبٍ أو، في أحسن الأحوال، معاملات بَيعٍ بِالغَرر.
ولِحسن الحظّ، تنامى اليومَ الوعيُ بضرورة طرح مسألة انتقال هذه الآثار وطُرقها اللاشرعية وأثمانها وحقّ ملكيتها والتمتع بها، فضلاً عن قضيّة "إرجاعها" إلى أصحابهم الحقيقيين. وبالنظر إلى ما لهذا السؤال من الأهمية فقد تَبارى على الخوض فيها الساسةُ ورجال القانون والفنانون.
ومن بين من أدلى فيها بدلوه المحامي الفرنسي إيمانويل بيرات (1968) الذي أصدر، مؤخراً، كتابَ "هل يجب أن نعيد الأعمالَ الفنَّيةَ إلى أفريقيا؟"، عن "دار غاليمار". والكتاب عبارةٌ عن نصّ مدعوم بالوثائق والأرقام يَسعى من خلاله هذا المحامي، المتضلع في تاريخ الفن الأفريقي، إلى تقديم رؤية متكاملة عن هذه المسألة بعيداً عن التأكيدات السطحية والخطابات الأخلاقيّة التي يمكن أن تعوق النفاذ إلى الثقافة أو أن تَحصرها في أوساط نخبوية وفي مقولات مجرّدة.تعود قصّة الكتاب الأولى إلى "نقاش عامٍّ"، أُطلقَ في فرنسا سنة 2018 حول ضرورة إرجاع الأعمال الفنية التي "استُجْلِبت" من مُستَعْمَراتها الأفريقية السابقة. ثمَّ تجاوز هذا النقاش الحدودَ الفرنسية ليصل إلى سائر البلاد الأوروبية والأفريقية ويتركَّز حولَ إعادة آثار الفن وأعماله إلى أصحابه الحقيقيين، دولاً وأفراداً، وحول مفهوم الملكية وانتقالها.
هذا، وقد زارَ المؤلف أغلبَ المتاحف التي تتضمن أجنحة أفريقية سواء في فرنسا أو في أوروبا، باعتباره أيضاً من عاشقي الأعمال الفنية التي يعود بعضها إلى القبائل الأفريقية القديمة (والبائدة). كما أكد المحامي، في مقدمته، أنَّه خاض العديد من المعارك القانونية خلال الإشراف على ميراث علماء الأنثروبولوجيا الكبار مثل كلود ليفي-شيراوس، وميشال ليريس، وجاك كرشاش، ودينيز بولم، وفرانتز فانون وغيرهم ممن اشتغل على الفن الأفريقي وعشقه.
وفي سبيل إنجاز هذا الكتاب التحليليَّ، تزوَّد صاحب "الناشرة" بالعديد من الوثائق والمعطيات لإضاءة الجوانب المعقدة في مَسألة "الإعادة". ويبدو أنَّ الصعوبة الأكبر كمنت في تحديد مفهومها القانوني الدقيق. فَحسب "قانون الميراث وأحكامه" تتمثل "الإعادة" في ردّ الأعمال التي خَرجت من عند أصحابها، بشكل غير شرعيٍّ، من بلدٍ ما إلى نفس هذا البلد. (فصل 112، قانون عدد1). وهكذا، تُعرّف "الإعادة" بكونها إرجاعَ الممتلكات الفنّية إلى أصحابها الشرعيين باعتبارهم مالكي الشيء والحائزين حق التصرف والتمتع وكلّ الصلاحيات الأخرى.