الثقافي

الصورة.. متاهة الأيديولوجيا والرغبة

كتاب "فلسفة الصورة: بين الفن والتواصل" (دار إفريقيا الشرق) للباحث المغربي عبد العالي معزوز. يقع في 250 صفحة من القطع المتوسط يتناول الصورة كنتاج جمالي يطرح عدداً من القضايا والإشكاليات داخل حقل الفن المعاصر، سواء في علاقتها بالتراث والمعاصرة، أو في ارتباطها بالميتافيزيقيا والتكنولوجيات الحديثة، من خلال نماذج تنتمي إلى تاريخ الفن.

ينطلق الباحث، في مقاربته لإشكالية الصورة وقضاياها، من منطلقين أساسيين: المنطلق الأول يرتكز على فلسفة الفن، أما الثاني فيرتكز على ثقافة الاتصال أو الصناعة الثقافية، وفقاً لـ "مدرسة فرانكفورت" أو النظرية النقدية. وفي هذا السياق، يشير الباحث إلى أن المنطلقين معاً يهمّان ثقافة العين أو ثقافة الصورة، ويوحّدهما هاجس الرؤية أو النظر، كما أنهما يتحركان في محال مخصوص هو ميدان المرئي.

ولتوضيح هذا المسعى، يعمد الباحث في الباب الأول من الكتاب إلى إماطة اللثام عما تثيره الممارسة الفنية في الزمن المعاصر من مناقشات متنوعة حول التراث والمعاصرة، في ارتباط بالنقلة التكنولوجية التي يشهدها العالم، وتأثير ذلك على الممارسة الفنية، بما يؤشر على الأبعاد الإبداعية والدلالات الجمالية للصورة الفنية في الرسم والتشكيل الغربي الحديث.وفي الباب الثاني، يعمد معزوز إلى تجريب عدد من المفاهيم والآليات النقدية الحديثة، بما يساعد على فك وقراءة ما استغلق من أدوات الصناعة الثقافية وأنماط إنتاج الصورة السينمائية والتلفزيونية، مع مراعاة لما جادت به الابتكارات الرقمية الحديثة من حوامل جديدة، ساهمت ليس فقط في تطوير إنتاج وتنويع الصور، ولكن أيضاً في إتاحة إمكانات جديدة لتنويع القراءة وفك شفرات الغامض منها.

كل ما سبق، يحاول الكاتب - بغير قليل من إعمال آليّتَي التفكيك والتأويل - ربطه بالأيديولوجيات الخفية التي تسعى إلى تكريس ظاهرة ما يسمّيه بـ "ثقافة الجموع والحشود والجماهير الهلامية، وثقافة الترفيه وصناعة الوهم"، وهي الظاهرة التي تخلق تلقّياً سلبياً للصورة، فتسعى إلى تحييد المُشاهد عما يمكن اعتباره قضايا مصيرية تهمّ حاضره ومستقبله.

وفي سعيه لتحقيق هذا الغرض، لم يتوان معزوز عن دعوة عدد من الفلاسفة والمفكرين الغربيين، ممن نظروا إلى الصورة وتداعياتها في صناعة الرأي أو في التأثير وخلق نوع "الملهاة "، بما يؤشر على تلك العلاقة الخفيّة بين السياسي الأيديولوجي والفني الإبداعي، بما هي علاقة توليف ذكية، تراهن على خلق مزيد من الهيمنة والتشويش على ما يمكن أن يعتبر قضايا وأولويات تهم المواطن الذي يتعرض يومياً لوابل من الصور الماكرة.

وفي هذا الإطار، تحضر أسماء ثلاثة فلاسفة فرنسيين، هم على التوالي: جيل دولوز، من خلال إسهامه الإشكالي في إعادة قراءة جملة من المفاهيم والتصورات المرتبطة بالفن أو الرسم؛ وقد وجد في فن الرسم أو التلوين تعبيراً عما تقول به فلسفته من صراع القوى، لأن الفن ـ في تصوّره ـ يمثل لحظة هذا الصراع، وليس مجرّد تعبير شخصي أو ترجمة لحياة فريدة، وبالتالي يرتقي إلى مستوى التجربة الفلسفية.وميشيل فوكو، عبر استحضار اهتمامه بالسلطة وتشريح آلياتها لارتباطها الوثيق بالفضاء؛ ونظراً لاعتباره الرسم من أهم الفنون البصرية في العصر الحديث التي تتحدد وفق مفهوم الفضاء.

وأخيراً جاك دريدا ومسألة الحقيقة في الفن؛ إذ يرى الباحث أن سؤال الفن لا ينفصل عن فلسفة دريدا التي تعالج مسألة الاختلاف وترى أن مبرر وجود الفن هو عمل المباينة الذي لا ينتهي. فكلما استحال التطابق وتعذرت الهوية، وجد العمل الفني مبرره في الوجود. وبذلك، يصبح محاولة لردم الفرق الذي يوجد في صميم الوجود، بما هو محاولات متكررة بين الإنشاء والتلاشي، بين البناء والهدم، بين الواقع والحلم.وبعد مقاربته عدداً من الأنظمة التي تتحكم في إنتاج الصورة وصناعة رهاناتها، من خلال تمظهراتها، سواء باعتبارها لغة أو رغبة أو سلطة أو أداة إشهارية أو عنف ممارس على الملتقي أو صورة فنية "أيقونية" جديدة؛ يخلص الباحث، في ختام دراسته إلى أن الصورة أصبحت رهاناً أساسياً في الأزمنة المعاصرة، باعتبارها مدار صراع أيديولوجي، وتسويق تجاري، وترفيه ثقافي، واستثمار للرغبة، وتفريع للعنف، وتنازع على المقدّس، وإتحاف للعين، وإمتاع للرؤية.

من نفس القسم الثقافي