الثقافي
"جميلة": حبّ قرغيزي تحت سماء خريفية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 22 أكتوبر 2019
ارتبطت رواية "جميلة" للكاتب القرغيزي جنكيز إيتماتوف (1928 - 2008) بالوصف الذي أطلقه عليها الشاعر الفرنسي لويس أراغون: "أجمل قصة حب في العالم". الطبعة الجديدة للرواية، بترجمة هفال يوسف (دار الساقي)، تأتي لتكرّس عبارة أراغون، عبر وضعها على غلاف الكتاب الصادر أخيراً، محدّدة بذلك أفق التوقع لدى القارئ، من خلال وضعه أمام صيغة تفضيل سابقة على القراءة.
على أي حال، يمكن للقارئ العربي أن يكون مطلعاً على تجربة جنكيز إيتماتوف عن كثب، خصوصاً وأن جلّ أعماله مترجم إلى العربيّة، بل إنّ بعض قصصه كانت حاضرة في مقرّرات مدرسيّة. كما أن عدداً من رواياته، مثل "يطول اليوم أكثر من قرن"، و"وداعاً يا غوليساري"، عرفت احتفاءً عربيّاً واسعاً.
في "جميلة" يستعيد إيتماتوف الحياة اليومية لقرية صغيرة أثناء الحرب العالمية الثانية، بعد أن أُخِذ الرجال إلى جبهات القتال، بينما نزلت النساء والأطفال بدلاً منهم للعمل في الحقول. ستوكل لجميلة، بطلة الرواية، مهمة نقل أكياس الحنطة من الحقول إلى محطة القطار، وسيرافقها في ذلك سعيد، الابن الأصغر لعائلة زوجِها الذي التحق بإحدى الجبهات. هناك أيضاً دانيار، الجندي العائد إلى القرية حديثاً، بسبب الإصابة التي تعرّض لها في قدمه اليسرى.تبدو العلاقة بين الشخصيات الثلاث غامضةً، خصوصاً أنها شخصيات متباينة: جميلة فتاةٌ قويةٌ تحب الحياة، وتتعامل مع الآخرين بعفويةٍ، لكنها تمتلك الصرامة الكافية لصرف أطماع الآخرين فيها بسبب غياب زوجها.
وعلى النقيض منها تماماً، تأتي شخصية دانيار، غريب الأطوار والميّال إلى العزلة والصمت، في حين يبقى سعيد المراهق منشغلاً بصرف أي رجل يتقرّب من جميلة. سرد بسيط وعميق، يرويه سعيد الذي كان شاهداً على قصّة حب حوّلته إلى فنان. وكعادته، لم يفوّت إيتماتوف قراءة المحيط الاجتماعي الذي تتحرّك فيه شخصياته، عبر تلميحه في "جميلة" إلى القهر الذي يتعرض له الفلاحون القرغيزيون.
في الرحلة اليومية إلى المحطة، وفي إطار العلاقة الإجبارية التي وضعتهم معاً؛ سيكون دانيار الصامت محط سخرية جميلة، وكذلك سعيد، الذي يشاركها سخريتها انتقاماً من نظرات دانيار إليها. ولكن هذه السخرية ستتحوّل إلى صمتٍ وذهولٍ عندما يشرع دانيار بالغناء في طريق عودتهم.
وبصوته الشجي، يتحوّل دانيار من شخص منطوٍ وغريب الأطوار إلى آخر مُقرّب ومفهوم. ومن خلال أناشيده، سينكأ جراح جميلة بسبب غياب زوجها، وإهماله لها في رسائله إلى أهله، وحاجتها إلى الحب.
الغناء وحده مَن يعيد تدفّق ما هو إنساني في قلوب هذا الثلاثيّ؛ سعيد سيعلن رغبته في دراسة الفن، وجميلة ستضمر حقها في الرفض والثورة اللذين ستعلنهما بهروبها مع دانيار قبل عودة زوجها بفترة قصيرة. أما سعيد، فسيخلّد تمرّدهما باللوحة التي سيرسمها، حينما يظهران فيها يسيران على الدرب تحت سماء خريفية باهتة.