الثقافي
برتولت بريشت: ذلك المريض الألماني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 20 أكتوبر 2019
"لو لم يكن بريشت بغيضاً إلى ذلك الحد، لربما كان قد نُسي تماماً"، كتب جيمس ك. ليون في كتابه "بريشت في أميركا" عام 1980. بالطبع كان ليون يقصد بريشت الماركسي العنيد أمام المكتب الأميركي الفظ.
ورغم أن الخطوط العريضة لحياة بريشت (1898-1956) الشائكة معروفة، فقد شهد هذا العام صدور ثلاثة كتب في بريطانيا تعيد قراءة المسرحي الألماني الأشهر، ولكن أكثرها نجاحاً السيرة البديعة التي كتبها وجمع دقائقها ستيفن باركر، أستاذ الأدب الألماني في "جامعة مانشستر". سيرة تكشف تفاصيل النفور والجمال في شخصية توصف بأنها واحدة من أعقد الشخصيات الأدبية في القرن العشرين.
تلقى "برتولت بريشت.. حياة أدبية" الصادر عن "دار بلومزبيري"، احتفاء خاصاً في أوساط الأدب والصحافة، إذ قدّم سيرة صاحب "الأم الشجاعة" بإنصاف، ولأول مرة بالإنجليزية، بعد عشرين عاماً من انتهاء الحرب الباردة.
عمل جمع بين ترجمة السيرة والسيرة الذاتية. ذلك أن باركر يفرد مساحة كبيرة ليوميات بريشت ومراسلاته ويستند إلى تسجيلات له ووثائق تخصه ليعيد ترتيب حياته ويقدمه بنسخة عادلة.وُصف هذا الكتاب بأنه عمل أخضر وليس رمادياً، وبأن صاحبه استخدم أفضل الطرق في إدارة أرشيف ضخم عن بريشت، حتى أعاد إخراج حياته بحيث يبدو أن كل الشخصيات في حياته تتكلم معه: والدته، حبيباته، أصدقاؤه وكذلك أعداؤه. أنقذ باركر ضخامة السيرة وتعقيداتها بتبويب حياة "إيوجين"، فقد ظل هذا هو اسم برتولت حتى العام 1916 حين أصبح مصرّاً على أن يناديه الجميع بيرت.
يتناول الفصل الأول من السيرة طفولة بريشت ومرضه المبكر وعلاقته المعقدة بوالدته صوفي، التي كانت ترى فيه صورة لها. وقد زاد في تعقيد علاقة الأم والابن ولادة صغيرها عليلاً وتوجّب تنقله للنقاهة بين مشاف مختلفة.
يتحدث بريشت عن أمه في إحدى قصائده المبكرة: "أنا برتولت بريشت، خرجت من الغابات السوداء. حملتني أمي بين المدن بينما كنت مستلقياً داخل جسدها. وسيظل برد تلك الغابات داخلي إلى يوم مماتي".
في سن الخامسة عشرة كان بريشت يتصرف ككاتب، ويدوّن حياته بشكل يومي. وقد صدر أول عمل أدبي له، لاحقاً، بعنوان "يوميات رقم 10" وهي مذكراته التي كتبها في ذلك العمر وامتدت على مئة صفحة. كان يرصد فيها نوبات المرض وشعوره بأن الموت قريب منه. يسخر من عائلته ويكتب بعض الأشعار.يضع باركر بضعة مقاطع من مذكرات بريشت المكتوبة سنة 1913، والتي تظهر كأنها استجابات يومية لنوبات من الكثافة العاطفية لكل ما يحيط به من أحداث، فقد عاشت العائلة في ذلك الوقت أزمات عائلية كثيرة بالإضافة إلى اندلاع الحرب. وكان والده قد أرسل له بطاقة في تلك الظروف كتب عليها "ها أنت تكبر يوماً بعد يوم، وما تبقى من سنوات الطفولة القليلة سرعان ما ينتهي. فكن سعيداً وانتفع بوقتك لكي تصير رجلا يكد ويعمل".