الثقافي
ريمي ريفيل.. غارقون في مسبح رقمي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 سبتمبر 2019
في كتابه "الثورة الرقمية، ثورة ثقافية؟"، الصادر ضمن سلسلة "عالم المعرفة"، بترجمة لسعيد بلمبخوت، يتطرّق الباحث الفرنسي المتخصّص في اجتماعيات الإعلام، ريمي ريفيل، إلى التفكير المزدوَج في العصر الرقمي، من حيث شرطه التكنولوجي وضرورة دراسته ثقافياً، معتبراً أن الرقمي ليس إلّا وسطاً يتعايش فيه الإنتاج الثقافي مع التكنولوجي؛ بحيث لم يعد ممكناً دراسة المنتَج الثقافي بمعزلٍ عن آليات إنتاجه. وإذا حدث وأن فكّرنا في واحدٍ من هذين القطبين من دون الآخر، فإننا نفوّت جزءاً ممّا يفعله الرقمي في ثقافتنا المعاصرة.
يتجنّب الكاتب التصوّر الدستوبيوي للعصر الرقمي، متحاشياً بذلك وجهة النظر التي تتحدّث عنه بوصفه "عصر الأخ الكبير"؛ حيث الرقابة التي تُهدّد الديمقراطية والحريّات الشخصية وتوحي بأنّنا نسير نحو شموليةٍ من نوع إلكتروني ننصاع لها من دون أن ندرك أنّنا تحت رقابة لا نعرف مكانها ولا من يُحرّكها. يُدافع ريفيل عن وجهة نظرٍ أُخرى قد لا تقنع كثيرين، وهي أن الرقمية قد تُشكّل انقطاعاً حقيقياً، تكنولوجياً وأنثروبولجياً وثقافياً، مُعتبراً أنها أرض صالحة للاستثمار ديمقراطياً، وقد أعطت صوتاً لكثيرين ووفّرت منصّات ومساحات تكفل حرّية التعبير.
يرى المؤلٍّف أن التكنولوجيات الجديدة ليست وسائل اتصال جماهيري جديدة، بالمعنى الذي شكّله التلفزيون عند ظهوره في القرن العشرين، إنما هي مجموعة تقنيات متنوّعة تُؤثّر على كل حقول النشاط الإنساني.
يأتي الكتاب من ثلاثة أجزاء: في الأوّل، يُعرف الكاتب بالتكنولوجيا الجديدة وإمكانيات استخداماتها، ويتطرّق إلى العلاقة بين التطوّر التقني والمجتمع، وإلى السوق الرقمية وثقافة الرؤية، بينما يُخصّص الجزء الثاني للخوض في تطوّر المدوّنات والشبكات الاجتماعية وثقافة القراءة على الشاشة، ومستقبل الكتاب، وعلاقة التقنيات الجديدة بالذاكرة وقدرة الدماغ على التكيّف. أما الجزء الأخير، فيتناول فيه العلاقة بين السياسي والإعلامي، والصحافة الرقمية والإنترنت كمصدر للصحافي، والتواصل السياسي من خلال الشبكة العنكبوتية.
من المسائل الأساسية التي يُحلّلها الكاتب ما يُطلق عليها "الذاتية عبر الشبكة"، والمقصود بها "النزعة الفردية المعاصِرة التي تُقيّم اكتمال الذات" وتتيح للأفراد أن يحملوا على الويب هويّات متعدّدة، متسائلاً: ما الذي نبنيه عن ذواتنا للآخرين عبر الشبكات الاجتماعية وماذا سنترك في الظلّ؟ كما يُفرد صفحات للحديث عن النرجسية وطغيان المرئي وممارسات عرض الذات والانغماس في مسبح رقمي.
رغم أن ريفيل لا يُهاجم العصر الرقمي كما يفعل كثيرون ولا يشجب روح العصر المرتبطة به، فإنه في المقابل يُؤكّد أن هذه الثورة لم تجلب المساواة للبشر، ولم تُخفّف من نزاعاتهم، ولم تجلُ سوء الفهم بينهم، معتبراً أن ما فعلته حقّاً هو أنّها وسّعت الإطار الزمكاني، ورفعت القدرة على تشارك المعلومات ونقلها بطريقة أوسع وأسهل وأسرع، وهذا يعني أنها وسيلةٌ للتحرّر من ناحية، وأداة للهيمنة من ناحية أُخرى.