الثقافي

"يافا.. دم على حجر": فصول لم تُرو من قبل

يُشكّل عام 1948 نقطةً مرجعية في الدراسات التاريخية المعاصرة في العالم العربي، إذ لن نعثر على حدث يرتبط بالذاكرة الجمعية يستدعي إلى اليوم كلّ هذه المراجعات والحفر في الذاكرة كما تفعل نكبة فلسطين، التي لا تزال تُقرَأ في مستويات مركّبة تتّصل بالحدث السياسي ومسائل الوعي الاجتماعي والهوية وغيرها.

ورغم أن وقائع الاحتلال والطرد والتهجير القسري حلّت، آنذاك، هزيمة ماحقة في وجدان الفرد والجماعة، وبدأ التفكير بأسبابها منذ اللحظة الأولى، إذ أصدر قسطنطين زريق كتابه "معنى النكبة" (1948)، وأكرم زعيتر "القضية الفلسطينية" (1955)، إلا أن هناك فراغات كثيرة لم يتمّ ملؤها من خلال جمع شهادات من عايشوا تلك المرحلة وتوثيق التاريخ الشفوي حولها.

"يافا.. دم على حجر: حامية يافا وفعلها العسكري - دراسة ووثائق" عنوان الدراسة التاريخية التحليلية المفصّلة التي صدرت في جزأين عن سلسلة "ذاكرة فلسطين" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للباحث الفلسطيني بلال محمد شلش (1987).

يمثّل الكتاب ثالث عمل يصدره المؤّلف بعد "سيدي عمر: ذكريات الشيخ محمد أبو طير في المقاومة وثلاثة وثلاثين عاماً من الاعتقال" (2017)، و"إلى المواجهة: ذكريات الدكتور عدنان مسودي عن الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وتأسيس حماس" (2013)، وهو يعمل حالياً على بحث بعنوان "الفعل العسكري الفلسطيني خلال حرب 1947 - 1948".

يعود شلش إلى تفاصيل العمليات العسكرية التي قامت بها الحامية التي استطاعت أن تصنّع مدفعاً في سعي لتعويض نقص الأسلحة الثقيلة، والتي قامت بتنفيذه "فرقة التدمير العربية"، وجُرّب المدفع في جبهة حي الجبالية جنوب يافا، يوم الثامن من مارس/آذار 1948، إذ أطلق ثلاث قنابل على مستوطنة "بات يام".

بعد تتالي هجمات الحامية على أهداف صهيونية، وفق الكتاب، بدأ جيش الاستعمار البريطاني حملة ضغط مارستها إدارته العسكرية، وتدخّل آمر الحامية لوقف القصف في إحدى العمليات من دون بيان سبب ذلك، لكن الفرقة عادت لاحقاً إلى عملياتها.يعرض شلش في الجزء الأول ما لم يُروَ قبلاً من تاريخ يافا خلال حرب عام 1948 بتوثيق يومياتها، وتتبُّع خط سير مقاومتها المسلحة، منذ بداية تكوينها ثم تحولات بنيتها وحتى انهيارها وتفككها. ويقدّم الجزء الثاني وثائق تنوّعت بين رسائل وتقارير وتعميمات، وتصريحات وبيانات، وشكاوى ومطالبات، وسجلات تضم قوائم بأسماء مجاهدي حامية يافا وشهدائها، مع عرض يومي لمجريات المعارك التي خاضتها على مدى ثلاثة أشهر، مرفقة بقراءة تحليلية للوقائع.

لم تغب أخبار الحامية عن الصحافة الفلسطينية والعربية حينها، وكذلك رسائل المقاتلين فيها، والتي وثّقها أكثر من كتاب، تطلب الدعم من نابلس والشام لزيادة عدد مقاتليها النظاميين ليصل إلى عدّة آلاف من أجل صد هجوم العصابات الصهيونية، لكن وعوداً كثيرة لم تُنفّذ واضطر أفرادها إلى مواجهة العدو وحدهم.

يروي الكتاب بدايات تشكّل المقاومة المسلحة في حيفا وصولاً إلى بدء نضوجها التنظيمي وتأسيس الهيئات المختصة بإدارة الأمن والدفاع داخل المدينة، كاللجنة القومية ومجلس الأمن وجيش حماة الأقصى بالاعتماد على مصادر عربية أولية، سُجّلت قبل الهزيمة وبعدها، ودُعمت بمواد وثائقية من الأرشيف الصهيوني.

من نفس القسم الثقافي