الثقافي

ديريك ج. تايلور.. ضد الطغاة حتى أيامنا

قبل يوم واحد من زيارة الرئيس الأميركي الأخيرة إلى بريطانيا، وتحديداً في الحادي عشر من يوليو/ تموز الماضي، جرى إطلاق كتاب للصحافي والمؤرخ البريطاني ديريك ج. تايلور حمل عنوان "أخبار زائفة.. وسائل الإعلام ضد الطغاة من هنري الثامن وحتى دونالد ترامب" (منشورات ذي هيستوري برس).

الكتاب جاء في توقيت مناسب، وهو يتطرق عبر مسار متشعب بين أروقة التاريخ للحرب الطويلة والمستمرة بين وسائل الإعلام وأولئك القابضين على السلطة. رحلة طويلة يتجول فيها الكاتب بين ضفتي المحيط الأطلسي، لينقل أجواء المعارك بين وسائل الإعلام وأصحاب السلطة في بريطانيا والولايات المتحدة، ويقدم فيها الحقائق التي لم يصدق فيها لا الممسكون بزمام السلطة، ولا أولئك الذين يمتشقون الأقلام، على حد وصف المؤلف.

ويورد الكاتب أن الإهانات والشتائم والعبارات من شاكلة "أخبار زائفة" و"صحافة غير شريفة" و"عنصري" و"غير مستقر عقلياً" المتبادلة بين معظم وسائل الإعلام الأميركية والرئيس ترامب في الوقت الراهن، ليست وليدة اليوم بل ثمة سلسلة أحداث مشابهة وأمثلة كثيرة. ففي إنكلترا وإبان عهد الملك ثيودور الثامن (1491 - 1547) وصفت الأوراق المطبوعة التي مثلت صحافة ذلك الزمان الملك بأنه "وحش فظيع"، أما هو فقد اتهمها بأنها تنشر "خرافات زائفة".

تُنسب للسياسي فليبو دي ساراتا (جمهورية البندقية سابقاً) مقولة "القلم بتول والمطبعة عاهرة" وفيها ذم للمطبعة التي اخترعها غوتنبرج وأتاحت المعرفة للعامة بعد أن كانت حكراً على النبلاء ووجهاء القوم. ويشير تايلور إلى أن اختراع الطباعة مثّل مرحلة مهمة في المعارك بين وسائل الإعلام وأصحاب السلطة في بريطانيا، فمنذ ذلك التاريخ نظر الذين يمسكون بالسلطة إلى الاتصال الجماهيري الذي سمحت به الطباعة آنذاك باعتباره تهديداً يحد من سلطتهم في السيطرة على الجماهير، بل قادراً على إثارة سخط الناس وصولاً إلى مرحلة التمرد.

ويسهب المؤلف في إيراد تفاصيل المعركة التي نشبت بين الملك البريطاني هنري الثامن وبين معارضيه الذين استغلوا ما وفرته المطبعة آنذاك من إمكانيات هائلة لنقل المعلومة، تمثلت في انتشار الكتب والنشرات التي كانت تهاجم الملك الذي انشق عن الكنيسة الكاثوليكية في روما، بعد أن عارضت فكرة طلاقه من أرملة أخيه كاترينا دي أوريغون لكي يتزوج من عشيقته آن بولين.

ويورد المؤلف في الفصل الثاني تفاصيل لمعركة أخرى دارت بين الملك تشارلز الأول الذي صعد إلى العرش عام 1625 وجاء بفكرة أن الملوك مسؤولون أمام الله وليس أمام البرلمان، وعمد إلى منع طباعة دوريات الأخبار التي اصطفت إلى جانب البرلمان في هذه المعركة، ووجدت مساندة من الجمهور الذي كان متعطشاً إلى معرفة أخبار الصراع بين الملك والبرلمان.وسيبرز في هذه الحقبة اسم الكاتب مارشماونت نيدام الذي أسس عام 1643 دورية "ماركوريوس بريتانيكوس" التي كانت ناطقة باسم البرلمان والمعارضين للملك، وقد اعتُبرت آنذاك من الأشكال الأولى للصحافة.

وقد حاولت السلطات آنذاك الحد من قوة وتأثير الطباعة، حيث وُضعت القوانين التي تعرقل وصول المعلومات إلى الجمهور، والتي تمثلت في ضرورة حصول كل صاحب مطبعة على إذن أو ترخيص من السلطات. وفي مرحلة أخرى فُرضت رسوم مالية باهظة على الصحافة التي تنطق بلسان المعارضة، بينما أُعفيت منها تلك التي تواليها.

في سرديته للمعارك بين الطغاة ووسائل الإعلام يعبُر بنا المؤلف الضفة الأخرى للمحيط، ونحط معه في ضيافة الصحافي الأميركي أشعيا توماس (1749-1831) الذي بدأ حياته المهنية في مطبعة في بوسطن الأميركية، وبعد أن تعلّم المهنة وهو في السادسة عشرة من عمره، سافر عام 1765 إلى المستعمرة البريطانية هاليفاكس (كندا) مواصلاً نفس المشوار، حيث عمل مع صاحب مطبعة هولندي يدعى أنطون هنريك كان يصدر صحيفة "هاليفاكس غازيت".

من نفس القسم الثقافي